الجمعة، 4 أكتوبر 2013

يوميات ... أكتوبر

(أكتوبر .. الأول )
"إنما يُستجاب الدعاء لمن يستوي عنده المنع و العطاء "!
__
لا يبرح ذهني سؤالي : كيف يستوي المنع و العطاء ؟؟ كيف يستوي المنع و العطاء ؟؟ كيف يستويان و هما ضدان ؟ هل تستوي الأضداد ؟؟!!
أصلُ إلي البيت أخيرا .. أجده كما هو كأنما لا يبرح جلسته تلك .. هائما في سمواته التي لا أعرف عنها شيئا .. أقترب منه .. أسأله بهمس : كيف يستوي المنع و العطاء يا جدي ؟؟ ينظرني طويـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلا ثم بصوت خفيض واثق من فعله : "يستويان عندما تُرَدُ الأشياء إلي أصولها ..يستويان عندما يستويان يا ابنتي " !
كأنه بهذا قد أفهمني .. يغيظني هذا الجد حقا !
____
" بتعملي إيه ؟؟ "
" باتفرج ع فيلم ... ليه؟ "
" فيلم إيه ؟؟ "
" فيلم ل جوليا اسمه  "
eat .. pray .. love"برضه معرفتش ليه الأسئلة ؟؟
 " من غير ليه .. انتي غاوية تتعبي نفسك بكل ال "ليه " اللي بتسأليها دي .."
أصمت لأشاهدَ الفيلم بتركيز عجيب .. فعلا الفيلم أفضل من مجادلتها علي أي حال !
يستوقفني صيامها ... يستوقفني_أنا الصامتة دوما_  صيامٌ عن الكلام !
استغرب أكثر كيف قطعت صيامها .. !!
أتململ في جلستي أمام الشاشة لكني مُصرة علي إنهاء الفيلم .. أجده بجانبي مبتسما .. " الفيلم دا فيه إجابة .. بس انتي و شطارتك" يخبرني بصوته الخفيض الواثق ..
" جدي .. ليه مصمم تكلم بصوت واطي كدا .. أنا ساعات بخاف ع فكرة "
" الخوف مش كله وحش يا بنتي !"
يصمت فأفهم أنه أنهي ما لديه و لن يتكلم بعدها حتي حين !
أعود للفيلم حتي ينتهي .. أود لو نظرتُ إليه ظافرةً الآن ما يعني أني قد وجدت تلك الإجابة المزعومة .. لكن أنَّي ليّ ؟؟!! ستفضحني عيوني !
أفكرُ ... تري أين تلك الإجابة ؟؟
الصمت و الكلام ضدان ... ربما يُفضَلُ أحدهما علي الأخر لكن كيف يستويان ؟؟
كــــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــــــــــــف ؟؟
"جدي .. أنا معترفة .. حاولت و مش عارفة .. كيف يستوي الصمت و الكلام ؟؟
كيف يتستوي المنع و العطاء .. و لو استويا .. ما جدوي الدعاء وقتها .. أفهم إني أدعي بشئ رغبهً فيه .. أو رغبهً عنه .. لكن أدعي بشئ لا رغبه منه و لا فيه !"
"لسه أدامك وقت كــــــــتــــــيــــــــر يا بنتي .. بس هتوصلي ما تقلقيش ..
لما تردي الكلام و الصمت لأصلهم .. هتلاقيهم بيكملوا بعض يعني زي نصين رغيف العيش .. الكلام بيقول حاجة و الصمت كمان بيقول .. المنع طريقة للعطاء و العطاء اسلوب منع .. وقتها بس هتدعي عشان الدعاء نفسه .. لجل ما انك مشتاقة تقوليله سوا بالكلام أو بالصمت ..حاجة كدا زي .. زي .. "

" زي (إنّي نَذَرتُ للرَحمَنِ صَومَاً فَلنْ أُكَلِمَ اليومَ إنسيَا ) "


الأربعاء، 28 أغسطس 2013

ليلي


آهٍ يا ابنتي الغائبة .. هذا حكم القدر و المكتوب فينا ..
آهٍ يا ابنتي .. ما أشدَّ شوقي .. فهل  تشتاقينني ؟
ليت الزمان يسعدُكِ يا ابنتي  مثلما فعل معي أو أكثر .. فأنتِ تستحقين فرحة ما ..
ليته يجنبُكِ الشقاء مثلما لم يفعل معي .. اهٍ يا ابنتي لو أن ليّ أن أفتديكي فينالني نصيبك من الشقاء .. و لا يبقي لكِ منه شئ .. آهٍ لو أن لي ..
لو .. لُعنتْ لولا ... ملعونْ من يتبعها .. ليكن هذا أول ما تعرفه نفسك الطفلة ..
لا تركني إلي "لو" .. أنتِ لا تستحقين اللعن يا ليلي ..
آهٍ يا ليلي .. آهٍ يا ليّل"ي" أنا ..
أتوقُ إليكِ يا ابنتي .. فهل تفعلين ؟؟
أتخيلُكِ سمراءَ مثله .. ليتكِ ترثين غمازيته الرائعتين .. و ابتسامته المُسْكِرَة ..
أودَّ لو أورثتُكِ عينيي الواسعتين و شعري .. فقط عيوني و شعري يكفيانكِ مني كأم .. أنتِ لا تعرفين كم أشفقُ عليكِ يا ليلي لأنني أمُكِ !

ربما ليس لدي شئٌ أخر بخلافهما يصلح كي ترثيه يا ابنتي !

خيالي ؟؟
رجاءا لا تحدثينني عن خيالي هذا دون غيره .. هذا شقائي المقيم .. هذا ما يحولُ بيني و بينك حتي الآن ..

جنوني  ؟؟
و لا هذا أيضا يصلح .. هذا متعب .. لا كما تتخيليه /تتخيلينه أنتِ ... لا يا ليلي .. ليس كما تُصَورُه لكِ نفسُكِ الطفلة .. لا أريدُك ساذجةً مثلي يا ليلي .. لا تكوني ساذجةَ هكذا مرةً أخري أرجوكِ .
جنوني ما فُسرَ علي أنه محض جنونٍ قط !
فُسرَ بكل الأشكال و النوايا الخاطئة .. كلها يا ليلي ... لا تُذَكْرِيني يا ابنتي .. أشعرُ بتباطؤ في نبض قلبي حتي يكاد يقف من شدّة الغبن..  نواياهم .. أفكارهم .. مبرراتهم .. نظرياتهم اللا معقوله !
كُلُها ظالمة يا ليلي .. كُلها ..
لا أتمني لكِ ظلما كهذا ..
لا أتمني لكِ حتي و لو التجربة في هذا !
هذا قاسٍ و لن تتحمله نفسك الطفلة .. أعرف هذا .. أثقُ به .. و بكِ .

لا اتمني لكِ أيّ انتماءات لغيركِ يا ابنتي .. فلتنتمي لنفسك و للغتك فحسب.. فلتختاري لغةً و انتمِ ليها  ..
 لا تنتمِ لي .. و لا لَه .. و لا حتي للأرض .. الانتماءُ لأرضِ كأرضنا مميت في البداية و في النهاية أيضا ..
الانتماء للأرضِ في بلادنا يُعاقب عليه القانون !
لا تخالفي القانون يا ليلي .
انتمِ يا ليلي  لكل ما يدور بداخلك .. فقط إن أنتِ فعلتِ ستجدين انتماءاتك الحقيقة ..
علي الأقل وقتها ستعرفين كيف هي مواجهه المرءُ مصيره بشجاعة من اختار  لا من اُختِيرَ له .. وقتها ستعرفين ان الاختيار ليس رفاهيه .. ليس رفاهيةً أبدا يا ليلي .
هذا ما لم تتعلميه مهما حدثتُكِ عن الشجاعة .. و الحرية .. و الاختيار و كل تلك الكلمات اللامعة .

لا .. لا تظني أنني سأتخلي عنكِ يا ليلي .. أنا لن أترُكُكِ يا ليلي .. ليس لأنني أمٌ رائعه لم يَجُّدْ الزمان بمثلها  .. و لكن لأنه ليس بوسعي أن أفعل .. أنتِ مني يا ليلي.. كيف أتركُني ؟؟
أنتِ ليّلِي يا ليّلَي !
ليتكِ تُدركين هذا مبكرا .

أحلامي ؟؟
ترثين أحلامي ؟؟ !!!
و لمَ عليكِ أن تفعلي ؟؟
أنا لا أنوي أن أُحدثُكِ عنها .. لمَ عليّ أن أحملك أحلامي .. لمَ عليّ أن أشبّعُكِ بأحلامي .. بخيبات أملي المتتالية في الحياة .. و البشر .. و في الأحلامِ ذاتها ؟؟ ثقِ يا ابنتي أن أحلامَكِ وحدكِ ستكفيكِ.. ستثقلُ كاهلكِ كفايةً ..


ليلي.. أنتِ لم تأتِ إلي هذه الحياة لتنفذي أحلامي أنا ؟
و لو كنتِ لما خلقَ الله _تعالي_ لكِ عقلا  .. ولما وهبَكِ قلبا ..
فلتحلمي أنتِ يا ابنتي .. أحلامكِ وحدها ستكفيكِ .. لكن لتتحلِ بالشجاعة الكافيه للحُلم أولا .

ربما لا أملك كثير مزايا كي ترثيها .. لكن أتمني لو ترثين شيئا أخرا ..
انتماءا أخر .. انتَمِ للسماء .. السماءُ البكر يا ليلي .. أنتِ تنتمين إلي المفتوح من السماوات .. أنت ليلُ يا ليلي .. و هل ينتمي الليل إلا للسماء ؟؟

 لكِ مني السلام يا ابنتي .. روحي حولك أينما حللتي .
لكِ السلام حتي أضمُكِ .
                                                                               #أنا 

الثلاثاء، 25 يونيو 2013

خطوة جديدة ..

يسعدلي صباحكم / مساكم كيفما كانت فروق التوقيت ..

ممكن أعمل فيها بلوجر بقي .. و أقول أني عملت صغحة ع الفيس بوك .. و مش عارفة دا حلو و لا لأ ؟؟

أكيد محتاجاكم هناك .. زي مانا محتاجاكم هنا .. :)

https://www.facebook.com/pages/%D8%B1%D9%88%D8%A8%D9%80%D9%80%D9%80%D8%A7%D8%A8%D9%80%D9%80%D9%8A%D9%80%D9%80%D9%83%D9%80%D9%80%D9%8A%D9%80%D9%80%D8%A7/132768836919133



dear all .. wish u wonderful day ..
i 'd be honored to tell u that i set up a new page on face book..
it 's a new step that i do need ur improvemtent and ur views with me
plZ keep inspiring me :)

have a great day 

الأحد، 31 مارس 2013

صديقتي تلك ....


صديقتي المحاربة بفطرتها ...هتوحشيني !

تذكرين ذلك اليوم؟؟
قادمةً نحوي.. تسبقُكِ ابتسامتك الدافئة..
الدفءُ دفءُ الروح.. دوما تجودين بها عليّ .. دوما لم تبخلي بها عليّ قط .
لا أشعر أن بوسعك أن فعلها يوما ما ..
ثمة بشر لا يعرفون كيف يبخلون بالدفء..
ثمة بشر لا يعرفون إلا كيف يُنشَرُ الدفء ..
دوما تأتين فتنشرين دفئا لذيذا في أوصالي التي شبعتْ من برودة الموت.. لا أحد سواكِ يعرف كيف يفعل هذا .
**
"هو انتي ليه بقيتي كدا..؟؟ انتي طول عمرك عنيدة .. و حتي في اوقات أسود من كدا كنت بلاقيكي مصممة و هتكملي ؟؟.. و ..و ... "
" و مقَاومَة؟؟ صح ..مش هي دي؟؟ "
"..."
**
حتي موتي.. سأموتُ و في نفسي شئٌ من حديثك يومها.. من حديثك هذا لي..
كيف كان لي أن أخبرك أنه ربما قد آن الآوان للمحارب العنيد أن يكف.. و لا أدري حقا عما يكف تحديدا !
لكن أحسبُ أن هذا أنسبَ الأوقات لاستراحة المحارب.. ربما يغريه الواقع فيترك خياله بعيدا ( فيترك خياله حيث كل القلاع و المدن التي لم تُفتَح بعد بعيدا بعيييييييدا)
و يكف عن أن يكون محاربا.. ربما يغريه الأمرُ أكثر فيصبح مزارعا بعدما كان محاربا.. مزارعا ينتظر ما يأتيه دونما اعتراض.. دونما توقعات.. دونما خيال !
هذا أفضل كثيرا.. و أكثر راحةً علي كل حال .
**
تمسكُ وجهها بكلتا يديها..
تنظر في عيونها كأنها أول مرة تري هاتين العينين..
لا .. هي تفتشُ في خبايا روحها..
تكلمها..
ثم تصمتْ..
تسمعها ..
ثم تصمتُ هي الأخري كالقبر !
**
أخبرها .. " لعله خير" .. ثم أسكن تماما كالقبر !
**
صمتٌ يتبعه سكون..كأنما هي الأرضُ قبل البشر..
هي لا زالتْ ساكنة بين كفيها..
لم تعد تشعر بأنها جسدا كاملا.. تري أنها أصبحتْ رأسا بين كفيها.. محض رأس فقط !
**
أه يا صديقتي ..
أه يا ذات العيون الطيبة.. هل لي أن أخبرك و نحن علي وشك الرحيل..كم أن كفيك دافئتين ..
هل علي أن أخبرك كم تمنيتُ لو أجلس في كفيه..
(كم تمنيتُ لو أجمع أشتاتا مبعثرة في الزمان و المكان هي أنا ..في كفيه.. لأعودَ واحد مكتملا.. )
كفيه العملاقتين..
لكن لا شئ الآن يعدل كفيكِ الدافئتين..
كفيكِ أكثرُ دفئا..
كفيكِ أصدقُ مما سواهما..
علي كلٍ لم تعد كفاه تنتميان لي ..
كفيكِ باقيتان لي.. !
أهٍ يا ذات العيون الطيبة.. لو أن لي أن أغمض عيني و أموتُ قبل رحيلك القريب..
هكذا يصبحُ موتي مدهشا يا صديقتي .
**
" هو أداكي عشان محتاج.. "
"..."
"ساكتة ليه؟ .. انتي عارفة اني صح... "
"أنا ساكتة عشان اول مرة اشوفك كدا.. اول مرة اخد بالي انك بتشوفيني من جوا كدا.. و من غير النضارة"
"طيب يللا نقوم.. كفاية غم لحد كدا..."
***
تذكرين يومها كيف كنا نضحك.. و نصخب غير مبالين- غير مباليتين بالناس من حولنا.. لا اهتمام بزحام المواصلات و لا قاهرة المعز في هذا الوقت..
كأننا عدنا لمدرستنا الابتدائية.. طفلتان لا أكثر .. طفلتان كنا !
كيف كنا نفكر؟؟
كنا نحاول أن ننسي أوجاعنا بالضحك؟؟
أكنا نستدلُ علي أحزاننا بالضحك؟
كلتانا الأن تعرفُ مرارة الحزن..
قد كبرنا يا صغيرتي.. قد صرنا كبيرتين كفاية لندرك أن الضحك وقت الثكل مؤلم.. و لا يخفف مرارة الثكل..
لكنه مناسب لأمثالنا..
من لا يمتلكون شجاعة البكاء ..
الحزن.. البكاء .. كلها أشياء تحتاج إلي شجاعة لممارستها !
و أنا لستُ شجاعة يا صديقتي .. و لا أنتِ كذلك.. !
**
"هتغيبي هناك ؟؟"
"...."
**
ثم لم تُجبني ..
لكني أعلم أنها ليست شجاعة كفاية لتبقي هناك طويلا ..
**
" عموما.. هتيجي تاني و بسرعة ع فكرة"
**
ثم ابتسامتها الدافئة ثانيةً .

الثلاثاء، 26 فبراير 2013

رحيل.. !


في محل الإهداء \
 
يا قاتلي .. إني صفحتُ عنك

ــــــــــــــــــــــــــ

رحيل..  !

تقول الرواية*..
   " رحلَ الرجل.. الرجل الصلب.. وريثُ الأب" !


أقولُ أنا...
   " رحل ببساطة... بهدوء..
رحل دونما صخب"


تقول فيروز **...
   " كِل منْ طوي شراعه و راح ب ها المدي.. ولدين و ضاعوا ع جسر الصدا.. اتفارقنا بهَدَا.. و الدنيا هَدَا.."


أقولُ أنا...
   " رحل ببساطة..
رحل لأنه راحلٌ "أصلا "...
لمَّا يحن له بعد أن يضع ترحاله و تطوافه في البلاد.. و في العباد قبل البلاد !"


تقول الرواية...
   " رحل الرجلُ.. الرجلُ الصلب.. وريثُ الأب !"


أقولُ أنا...
   " الرجل الصلب.. وريثُ الأب..

وريثُ الأب..

وريثُ الأب...

وريثُ الأب؟!!

هو ذاك.. هو فعلا وريثُ الأب.. فقط لو يفهم هذا ..
فقط لو كان فهم هذا.."




(النساء النساء يفهمن ما أعني)






* رواية "وليمة لأعشاب البحر.. ل حيدر حيدر"

** أغنية لفيروز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأربعاء، 13 فبراير 2013

و قالت موللي..



أمسكُ يدها الدافئة بيَديّ الباردة دوما.. أنظرُ إليها باعتذار..
" أسفة إيدي باردة ع طول.. بس لحد ما نعدي الشارع" ..

تبتسم و تصمت ..
**
منتصف الطريق وسط السيارات تخبرني:
" عارفة؟؟ .. ممم الشتا دا فصل رومانسي جدا.. مش عارفة فعلا بس جايز أنا اللي خيالية اووي... " ثم تصمتْ !!
**
أفقتُ عليها تهزني بعنف من كتفي...
"إحنا وسط العربيات.. وقفتي ليه؟؟.. يللا"
**
أنا ما عدتُ أدري بأننا وسط إشارة المرور في زحامِ الثالثةِ عصرا.. أنا هناك في جملتها تلك.. و في الشتاء الذي تحدثتْ عنه !
أنا هـــــــــــــنـــــــــــــــاكـــ !
**
أعاودُ فأمسك يدها الدافئة ثانيةً لأعبر بها الطريق..
أسمعُ شخصا آخر يجادلها أنه ليس رومانسيا فحسب.. إنما الشتاء فصل خيالي بكل تفاصيله .. الشتاء كما الصبار.. يبدو مؤذيا مليئا بالشوك.. لكنه من الداخل مفعم بالرحيق.. لكنها لا تسمع هذا الآخر.. أو هذه الأخري التي تجادلها ...  

تعودُ فتقول :
" عارفة.. فعلا الشتا دا حاجة كدا هدية.. بس اللي يفهم تفاصيله..."
"لا... مش كدا .. بس اللي "يحس" تفاصيله"
أجيبها بغمغمة لا تفهم منها شئ.. و لا أدري أنا بم كنتُ أغمغم !

لكنها تستمر..
" عارفة.. حتي القهوة.. بتحلو في الشتا... "
أصغي أنا إلي حديثها المتقطع.. و أودُّ لو أصغي إليّ أيضا..
أودُّ لو أخبرها أن القهوة لا تحلو فقط في الشتاء بل تختلف في الشتاء.. تتجدد.. و ترتدي طعوما و روائح أخري..
قهوة في البرد تعطي مذاق الدفء.. مذاقٌ برائحة الأحبة ..
تعطيكِ الغياب الذي يكاد يكون حضورا ...
قهوة بمذاق الخيال..
**
تقول موللَّي :
" و لا المطر بئا.. ممم..حاجة كدا تغسل البشر.. و الروح.. "
أتمني لو أخبرُها أن المطرَ يغسل الروح.. فقط أرواح البشر الذين يعرفون أنهم بشر !!
أصغي إلي الأخري التي تجادلها..
" المطر.. لا أعترف إلا بالأمطار ف الشتاء.. الأمطار قرينةُ البرد..
لا الأمطار التي تهطل طوال العام.. باردا كان الجو أم حارا
هذه أمطار لا تبالي بوقعها في النفوس.. أمطار لا تعرف أنها أمطار"

متطرفة في إحساسها تلك المُجادِلة
**

أسمعني أنا لأول مرة منذ أمسكتُ بيدها الدافئة أول مرة..
" الشتا... الجنون في إنك تلاقي حد ينزل يسنكح معاكي.. في عز الساقعة و البرد و المطر.. و تتمشوا بلا أي أهداف واضحة.. بس تتنفسوا الهوا اللي قرر يكون أحلي و منعش..
تاكلوا بطاطا سخنة بكل هدوء..
تتفرجوا ع الناس اللي ماشية بتجري من كل مكان بس عاوزة سقف تستخبي تحته
و انتوا مش راضيين بأقل من السما سقف ليكوا..
الشتا ف انكوا تتفرجوا ع الدنيا حواليكوا كأنكوا براها ..

الشتا ببساطة ف "إنــــكــــــوا" .. "

لا أعرفُ إن كانت قد سمعتْ حديثي أم لا ..                    
لكني علي الأقل أصغيتُ
**
نصلُ إلي المحطة حيث تستقل حافلتها..
أطمئنُ إلي أنها بالحافلة.. أودعها ثم أُكملُ طريقي وحدي.. معي فقط حديثُ متفرق عن الشتاء !

السبت، 2 فبراير 2013

بدايات...


مولعةٌ بالبداياتِ هي...
تخشي النهاياتِ كذلك...
البداياتُ دوما ناعمة.. دافئة سواء أوغلتْ فيها برفقٍ أم بجنون..
البداياتُ تعدُ بالكثير... النهاياتُ لا تعدُ بشئٍ تقريبا !

****
" شهرُ الله المحرم..
أعظمُ الشهور الحُرم عند المولي عز وجل..
و إن للدمِ لحُرمة عند الله تفوق حُرمة البيت الحرام.."

ثم ما عدتُ أذكرُ ما قاله بعدها .. أو ما يقوله..
ما عدتُ أريدُ شيئا.. جُل ما أعرفه أنها من تلك اللحظات الملعونة التي يفرغُ فيها الكون من حولك و يقف صخبه الذي لا يقف أبدا !
تلك اللحظة حينما تشتهي أُنسا بشريا لا يتركك و نفسك وسط هذا الفراغ وحدكما.. لا تودُ نفسَك الآن.. تَودُ من يحول بينك و بينها !

للحظة شعرتُ باغترابٍ عاصف و عميق كأنما هو منذ الأزل..أشعرُ كأنما خُلقتُ لفوري..قد كنتُ أنتمي للظلامِ الكوني في رَحمِ أمي.. قد كان هو الكونُ علي اتساعه..ثم.. ثم .. ثم لم يعد!!

أحاول أن أعود فاستمع.. لعله يكمل هذا الحديث العجيب عن حرمةِ الدم !!
حرمة الدم؟؟
أم لعله يكمل فضل شهر الله المحرم..
المحرم؟؟ ما هذا الاسم؟؟
كأنما أسمعه لأول مرة في حياتي
كأنما الآن فقط أَدرَكَ معناه..!!!
أم لعلها المصالح... و حساباتهم الأخري التي لا يسعني فهمها !!

****
شهر الله المحرم..
بداية العام..
المحرم و حزنٌ شفيف يجتاحني..
حزنٌ يظل متواريا طوال العام.. لا يستعلن إلا في هذا الشهر..
حزنٌ لا يعصف بي.. إلّا في شهر الله المحرم..
لا يؤلم إلا الآن و يظل ساكنا طوال العام..
****

تبدأ ذكراه في الطفو علي سطحِ دفاترها في المحرمِ من كلِ عام..
يبدأ في العودةِ و الظهور علي اوراقها و في تفاصيلها في المحرم من كل عام..
لعل ما ينقصها فعلا أن تتشيع لتقيم عليه "حُسَينية" تندبه فيها.. تستقبل فيها العزاء أيضا..
لعل كل الدم بعد استشهاده صار مكررا لها و مملا..
أم لعلها صارتْ تتعامل مع الدم بجفاء.. كـ..كـــ...كالكبار !
علي كُلٍّ كلُ الدمِ بعد دمه يصير عاديا..
تبدأ في التكرار علي ذاتها "كلُ أرضٍ كربلاء.. كلُ يومٍ عاشوراء" ..
ربما تخشي أن تنسي لذا تذكر نفسها.. لكنها تعلم أنها لا تنساه.. تعلم هذا جيدا..
كيف تنساه و هي ما تنزل بأرض إلا و تخشي أن تكون "كربلاء" خاصتها ..

تذكره في كل أرض تصيبها بها النوازل..
"كربلاء" أرضُ كربٍ و بلاء !
هكذا قال يوم صار بكربلاء..

كيف يتحدَّثُ هذا عن المحرم..
عن الدم..
عن حرمةِ الدم ..؟؟
أولا يعلم أن "الحسين" قُتل ..
الآن فقط بعد أن صار يخشي أن يكون الواتر لا المَوتُور يتحدث عن الدم..
يترفق في الحديث ليدخل الرفق إلي النباتات ..و ربما الحيوانات كذلك!

ما هذا الارتباك ؟!!!!!

ماذا يعرفُ عن الدم ليتحدث عنه !

***
" هل عرفَ الموتُ فقد أبيه؟ " *
***

البداية الدافئة..
صار الهلال بدرا.. و لما تترك الدماء هوايتها الجديدة في أن تُراق كالمياه !

****
لا تشعر بشئ تقريبا في وسط الأشياء.. الأزمنة..
فقط تتذكر نعومة البداية..
ربما تفكر بهواجسها التي تخشي الاقتراب من النهايات !
***

"قال لي الشيخ :
إن الحسينَ مات من أجل جرعة ماء !
و تسائلتُ كيف السيوفُ استباحتْ ابن الأكرمين؟؟
فأجاب الذي بصرته السماء:
إنه الذهب المتلألأ في كل عين" **
***

عاد البدر كما كان هلالا ..
و لمَّا يقف الدم بعد..
مضي المحرم إلي ما لستُ أعلم..
و لمَّا تمضي ذكراه كما اعتادتْ أن تفعل...
مضي المحرم.. و صفر ..
و اجتمعت ذكراه التي أبَتْ أن تمضي بذكري ربيع الأول..
كأنما تكالبت علي الذكريات تسألني :
"بأي ذنب قُتلتْ؟؟"
***

"إن تكن كلمات الحُسين..
و جلال الحُسين..
و سيوف الحسين لم تقدر أن تنقذ الحق من ذهب الأمراء..
أفتقدرُ أن تنقذ الحق ثرثرةُ الشعراء؟؟ " **




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* "مراثي اليمامة للرائع "أمل دنقل" ...
** " من أوراق أبي نُواس .. لنفس الرائع "أمل دنقل "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

السبت، 26 يناير 2013

روبابيكيات.. (3) ..


أنتظرُها.. في ظلامِ الغرفة..
طال بي الانتظار.. و انا بأمسّ الحاجة لحكيها... حتي ظننتُ أنني أخطأتُ قراءةَ العلامات..
لا لم أخطئ.. ليستْ أول مرة تأتيني.... أحسُّ باقتراب الحدوتة في قلبي... هذا لا فكاكَ لي منه مهما كذبتُه... هي آتية..
أنا من يتعجل كالمعتاد...

أفكرُ باضاءة الغرفة..أعدلُ عن هذا.. هي جنية.. لا تهاب الظلمة..
و أنا أحب غرفتي و هي مظلمة.. استشعرُ توحدي معها.. مع الحوائط.. الأرضية... المكتب.. كتبي.. دفاتري..
و حتي نجومي الصغيرة التي تضيئ في سقف الغرفة المظلم...
أقضي ليالٍ طويلة بأكملها أحدقُ في سقفي الصغير هذا متخيلةً أن غرفتي هذه كهفٌ جبلي..  
كهفٌ مهجووور منذ سنين.. لا يعلمه سواي... وحدي فيه و سقفي السماء..
حتي أمنتُ بأنني أحيا في كهفٍ جبلي.. أمنتُ به في قلبي...  

النور يؤذي عينيّ علي أيّهِ حال..

انتظرها.. و يطول بي الانتظار..
الوحيدة التي انتظرها هكذا.. و بدون ضجر..
استثنائيةٌ جنيتي هذه..

أفكرُ و أنا بانتظاري هذا.. أنها من علمتني كيف ُتروي الحكايا..
"ليس السردُ مهنةَ من لا مهنةَ له" .. هكذا أخبرتني ذات فجر...
تعلمتُ منها كيف يكون المكان متوحدا مع الحكايا.. كيف أملأ المكان بروح الحواديت.. و الضوء لا يتفق و روح الحواديت..
لا يتفق و الخيال...
الضوء يقتلُ الخيال... الضوء يقتلُ الحواديت.. و يؤذي الفراشات.. و الجنيات.. و يؤلمُ عينيّ ايضا...

الضوء بارد... و الخيالُ دافئ!

"ها قد أتيتُكِ يا ذئبة.."
لا أصدق .. أخيرا جاءت جنيتي... قد حانت سعادتي في الدنيا إذن..

يااااه.. ما أسعدني بالوصف.. أراه مدحا..

" أنتِ حتما مخبولة.. أخبرُكِ أنكِ ذئبة.. فتفرحين هكذا..؟؟ "
" و ما أدراكِ أن..."
" أنا منكِ و فيكِ .. ما تنسيش دا.. أنا ببساطة جنيتك.." !

أبتسمُ .. و أنا لا أزالُ منتشية بالوصف.. ربما كنتُ مخبولةً فعلا كما تري.. و يري الكثيرون... لا يهم.. منذ متي كان يهم ؟!

" هتحكيلي إيه المرة دي؟؟ .. و سيبتيني استني كتييير اوي المرة دي كدا ليه؟؟"
" كل حاجة بأوانها... أنت اللي بتفكري ف الوقت كتير.. عشان كدا استنيتي.. انا باجي ف معادي بالمظبوط.. "
" يوووه .. مش هاخلص من فلسفتك.. طيب.. هتحكيلي إيه؟"
" سأحكيك اليوم عن طفلةٍ تخاف .."
"تبا..."
" الخوف سنة الله في خلقه.. فطرةٌ ركبَّها الله تعالي في الخلق.. و لولا الخوف.. لأهلكَ الخلقُ أنفسَهم قبل غيرهم.. و في النهاية الحكيمُ فقط من يضع الشئ موضعه.. "
" أما قلتُ لكِ تبا... ت.. ب..ا...
أبعدَ كلُ هذا الانتظار.. تأتين لتحكي عن طفلة خائفة.. تبا لك و لإشاراتك هذه ؟؟ "

"إنتي محتاجة تسمعي الحدوتة دي بالذات... محتاجة تسمعي.. و انا جيت عشان محتاجة أحكي.. "
"طيب.. اتفضلي احكي.."

"يُروي فيما يُروي.. و اليقينُ من عند الله.. أنه كانتْ طفلة.. اسمها مريم..
مريمُ هذه في زمانها الأول كانتْ شقية.. متمردة.. قلما تهدأ.. سريعة الحركة و الكلام.. متعجلة نافدة الصبر.. ملووول مما حولها و من حولها كأنها عجوزٌ قد عمرتْ في الأرض مائةَ عام.... لكنّ بها شغفا.. شغفُ لا يكون إلا لطفلٍ حقا..و لولا هذا الشغف لظنَّ من يراها.. أنها عجوز قد حلتْ في جسد طفل.. !

لكنَّ هذا كان في زمانها الأول.. لا تلبث الدنيا أن تغيرَ كل ما هو قائم.. و هذا حالها هي أيضا..

كانتْ تعيش مع أبٍ و أمٍ و أخوة.. كبارا و صغارا.. إلا واحد قد سافر و فارقهم.. كانتْ شغوفة بأخيها هذا...  تراه كالكُهَّان... ليس ثمة ما لا يستطيع فعله أو معرفته...
أه.. كانتْ طفلة !!
سرعان ما كانتْ تَمَلُ صحبة أخوتها .. و لعبهم.. و ربما ضجرتْ منهم هم أنفسهم..

كانتْ تري أبويها كقوي الطبيعة... لا تحيد عن مساراتها.. و كقوي الطبيعة.. لا تكذب.. تعتقد فيهما الصدق المطلق.. كانتْ لا تزال طفلة علي أيةِ حال.. و هكذا الأطفال.. أطفالُ الحكايا علي الأقل..

لكن الدنيا لا تلبث أن تغير الحال.. فتبدله بحال.. و قد كان..

ذات مساء أسرَّتْ الأم إلي مريم أنها ستأخذها غدا إلي محطة القطار.. حيث تستقبل الأخ المسافر..
و لم تدر ما فعلتْ بابنتها... كأنما مسّها الساحر بعصاه.. لم تنم الطفلة الصغيرة طول الليل.. تفكر.. تخطط لعودة الأخ/ الكاهن..
لم تفارقها البسمة... ما كانت لتهدأ.. أو يهدأ خيالها الجامح.. خيالها الذي لا يعرف كيف يهدأ !
قضت الليل متحفزة بانتظار رؤيتها لأخيها..تقلب كل الاحتمالات صغيرها و كبيرها فيما سيكون بعد عودته..


أخذتها الأم دون بقية إخوتها .. أخذا يسيرا معا في الشوارع باتجاه المحطة
يشتريا أشياء.. يتكلما.. أو يصمتا.. فتنظر مريم في السماء البعيدة..
حتي إذا ما اقتربا من محطة القطار.. أسرَّتْ مريم إلي أمها ... " عارفة .. أول ما أشوف أخويا.. هاقوله يسهر معايا عشان يحكيلي حواديت النجوم اللي في السما دول كلهم.. و يقولي علي اساميهم.. هو قاللي انه يعرف"...
تصمتْ الأم.. تصلان إلي المحطة..تجلسان علي رصيف القطار.. لكنها لا تصرف بصرها عن مريم التي تبصر رصيف القطار .. لا تتحرك.. لا تطرف عيونها الطفولية بانتظار القادم في القطار.. تري ابنتها كأنها تمثال للانتظار.. للترقب !

بعد حين ظهر الأخ .. أبصرته الأم قبل مريم.. أخبرتْها.. أشارتْ إليه ..
و أخذتا في الصياح .. تناديان عليه.. لّوح لهما الأخ بذراعيه لمَّا أبصرهما.. و لمّا لم يكن بوسعهما إلّا انتظاره حتي يعبر رصيف القطار و يصعد السلم قادما إليهما .. فاكتفيتا بانتظاره .. مريم تلاحقه ببصرها.. و الأم تتابعهما بدورها
و عند منعطف السلم اختفي الأخ عن نظر مريم.. و ما كانت لتدرك بعقلها الصغير...أن قد اقترب مجيئه... فنظرت إلي أمها تسألها بعينين خائفتين تقولان الكثير...
استغلت الأم الفرصة السانحة أمامها للمزاح فما كان منها إلا أنها أجابت : " هو هيرجع و مش هيجي عشان انتي مش بتسمعي الكلام و انتي عملتي ايه .... " إلي أخر هذا الكلام الشبيه باللاشئ..


"إنتي بتقصقصي كدا من الحدوتة.. و بتكروتي في الوصف.. أول مرة يعني..!!!"
" عجيبة يعني ... أول مرة تقاطعيني و انا باحكي !... مش قولتلك إنك محتاجة تسمعي الحدوتة دي بالذات.. "

فأصمتُ و أنا أكاد أنفجر من غيظي... و ألعنُ نفسي في نفسي لأني فعلتُ و قاطعتها... ربما حقا كانت مبصرة.. و أنا فعلا بحاجة حكايتها هذه.. أنا بحاجة كل حكاياتها علي الدوام..
" كملي .. خلاص مش هانطق لحد ما تخلصي" ..

تبتسمُ و تعود لتحكي...

صُدمَتْ مريم.. و ما كان منها إلا ما هو طبيعي جدا .. و متوقع.. ما كان منها إلا البكاء..
بكاءٌ ممض.. يحرق شيئا ما بداخلك.. شئ ما كنت تدرين أنها بداخلك..
بكاء روحٌ قد خدعتْ من حيث لم تحتسب !
بكاء لا يفلح معه تهدئة الأم.. او ضحكاتها المرتبكة.. او افهام الصغيرة أنها كانت تمزح.. بكاء حتي لا يفلح معه وصول الأخ.. و لا يهدؤه كلام
هذا الأخ..
طفلة كانتْ... طفلة تخاف.. تعلمت عن الخوف المزيد لكنها لم تتركه .. لم تزل تخاف !
لم ترد مريم .. و لم تكف عن بكائها.. بعد حين التفتتْ إليهما و سألتْ الأم : " إنتي كنتي بتضحكي علي؟؟... " ثم جلست بجوارهما علي الرصيف صامته كالقبر... تنظر أمامها .. تري و لا تري.."

ثم صمتتْ جنيتي تماما.. لعلها رحلتْ !
تركتني وحدي أشعر ب...
ب...
ب...
بلاشئ.. تركتني و أنا لا أشعر تقريبا..
تركتني أبكي مريم.. أبكي نفسي..
تركتني منتظرة.. منتظرة إيّاها مرة أخري..
أم لعلي أنتظر نفسي !؟؟ 

الثلاثاء، 1 يناير 2013

خواء

تصحو كل يوم.. كـ..كـــ... ككل يوم !
تصحو لكي تبدأ.. لكنها تشعر أنها تواصل شيئا ما.. لا تبدأ شيئا جديدا..
تصحو كل يوم ككل يوم.. باهتة الروح !

تصحو.. تغادر غرفتها حيث المكان الوحيد اللائق بخوائها المفزع...
تبصر الرزنامة في طريقها.. ديسمبر !
تمضي من أمام الرزنامة إلي المطبخ... ديسمبر...
تبدأ في طقوس الصباح التي كفَّت عن أن تكون طقوسا بمجرد أن كفَّتْ هي عن الشعور بها.. ديسمبر...قهوة صباحية حيث لا مذاق القهوة...حيث لا رائحتها المنعشة...حيث لا شئ تماما..
ديسمبر !
قد آتي سريعا ... قد أصبحنا في نهاية العام..
تفكر.. هل تستعد لهذا القادم بعد شهر.. أم تمضي وقتا أكثر مع هذا الراحل.. الراحل قريبا ؟؟
وقتا خاويا.. تشعرُ أنه ما عاد لديها ما تفعله أو تقوله لهذا الراحل أو القادم الذي لا بد أنه راحلٌ أيضا في وقتٍ ما ...
كلُّ آتٍ قريب... و كل قادمٍ راحلٌ كذلك !

أنهتْ قهوتها التي كفتْ عن أن تكون قهوة..
تعتقدُ أنه حتي القهوة.. قهوتها قررتْ أن تعاقبها بشكلٍ ما .. لكنها لا تعرفُ علي أيَّ شئٍ تُعاقَب!...
ربما تعرف لكنها لا تريد أت تعترف .. ربما ...
أنا لا أعلم.. و هي لا تعلمُ أيضا..
تقرر أن تذهب إلي .. إلي ... ربما إلي كليتها...
أنا ليس بوسعي حقا التنبؤ.. و هي لا يمكن التنبؤ بما يدور بداخلها..
هي قارة مجهولة .. غفل عنها الرحالَّة..
هي أراضٍ لم تُكتشف بعد.. لم يطأها بشر..
و حتي ربما هي لا تعرف ما يدور بداخلها جيدا..
هي تعترفُ بهذا كثيرا.. أثقُ بأنها تشعرُ بهذا..

تقلب في دفاترها... ورقة.. ورقة أخري.. دفتر آخر..
تقرأ.. " و من قال إن الخواء أمر سهل.. إنه الفترة الوحيدة التي نسمع فيها تَكسُر كل الأشياء الثمينة في دواخلنا" *
تسكن الأصوات داخلها.. تسمع دوي كسر أحد الأشياء الثمينة مرةً أخري..
مرةً أخري أ كثرُ وضوحا.. أعلي دَويِّا !
ديسمبر... حيث أجمل الأشياء... أجمل الأيام الشتوية و أجمل الشموس الشتوية...

حيث أمطار الشتاء بروعتها.. حيث الشوارع القفر... الشوارع التي هجرها الناس...
ديسمبر حيث البرد المنعش... لا أنا أعرف و لا هي حتي تعرف كيف ينعشها البرد هكذا رغم اختراقه لعظامها..
ديسمبر حيث النهايات.. حيث اقتراب العام الجديد.. ورحيل العام الحالي..

حيث الخــــــــواء .

تــشعر أنها ملعونة بشكل ما ... لماذا تلاحقها الإشارات هكذا...
تقلب في أوراقها التي نأت عنها فتقرأ عن تكسر الأشياء الثمينة في دواخلنا.. و الآن بالذات !

للحظةٍ ما شعرتْ أن ما بداخلها مدنٌ منسية.. مدن هجرها أهلوها !
مدن كالسفن الغرقي..و كالسفن الغرقي.. صارتْ زلقة لا تعلق ذكراها برأس أحد !

لا تدري كيف صار كل العالم بداخلها خاويا هكذا؟؟ لا تدري كيف بدأ هذا الخواء في ابتلاع كل ما كان فيها !
لكنها وقتها.. و وقتها فقط شعرتْ بالروح –روحها – تفارقها.. و لا تدري هل ستعودُ إليها أم لا !
شعرت بالموت في أنحائها... يزحف ببرودته ..
تتلمس الدفء فيما حولها .. فيها .. !
تتمني لو أن بإمكانها أن تطلب الدفء.. بعض الدفء لا أكثر..
الدفء لا يُطلب.. الدفءُ يُمنح !
طلبُ الدفءِ مهين!
هي خيرُ من يعرف هذا.

تمشي وسط الناس.. لعلها تستطيع أن تضيع من ذاتها في هذا الزحام..
من يدري .. لعلها تُمنح الدفء يوما ما .... 










*للكاتب واسيني الأعرج...

** اعتذار واجب لللتأخير.... أنا أسفة