الأحد، 28 أكتوبر 2012

المرج... حلوان (4)


المرج...

أحتضنُ كوب الشاي بالنعناع ف هذا الصباح المنير.. كل شئ فعلا يبدو منيرا من الداخل في هذا الصباح... حتي أنا برغم اكتئابي المزمن.. و أكتوبر المميت هذا إلا أنني أشعرُ بثمة ضوء بداخلي.. لا أدري سببا واحدا لمثل هذا.. ربما كانت بوادر لزوال الاكتئاب!
لا ... لا أريد أن أخرج من عزلتي هذه... لا أريدُ أن أعود لأبالي بأمر هذا العالم و ساكنيه... أريد أن أبقي ف اللاشئ!

تبا لي !

أقف في شرفتي ... المدي أمامي بكل فضائه... مدي مفتوح لا يشوهه إلا واجهات البنايات من بعييييييد... أحمدُ الله أنها ليست قريبة أو متلصصة تنتهك هذا الفضاء البكر.. أرحمُ حالا من شرفات البنايات المطلة علي محطة المترو... قد زادت ضيقي و كآبتي تلك الشرفات و البيوت اللصيقة ببعضها... ربما كان ف التصاقها بعض الدفء.. لا .. لا تحدثوني عن الدفء رجاءا... تلك بيوت ميتة.. تمتص الروح... فكيف تمنح الدفء.. أو تدل عليه!!!

أزيدُ من ضغطي علي كوب الشاي... أودّ أن أشعر به أكثر.. أودُّ لو أتوحد مع أبخرته الصاعدة ف لسعة البرد الخفيفة هذه... أريدُ أن أشمَّ رائحة النعناع الزكية طوال الوقت..
برغم اكتئابي الأكتوبري... لا يسعني تجاهل هذه المنطقة المضيئة بداخلي الآن... أبتسمُ لأني لا أفهمني...
لا أحاول أن أفهمني ... أحاول فقط جهدي كله أن أشعر بيّ !
هذا وحده ما يعنيني..

أرشفُ من كوبي علي مهل... يخترق خلاياي السائل الساخن..
لذيذ.. منعش ..أشعر به في كل أنحائي!

منذ ليل أمس و هي تمطر...
أول مطر في هذا الخريف... أول أمطار الشتاء ...
تمطر منذ الليل..تمطر بهدوء .. تمطر بثقة عجيبة و ببطء..
تمطر كأن لديها كل الوقت لتمطر.. فلماذا العجلة؟
مطر خفيف واثقٌ من فعله في النفوس ... مطرٌ يعلم أن ثمَّة من يشتاق إليه ... ثمَّة من ينتظره بلهفة ليحتفل به و معه!
و قد فعلتُ... منذ بدأت تمطر و أنا في الشرفة.. أمام المدي المفتوح.. و لم أنم.. هذا ليل أبهي و أثمن من أن يضيع في النوم من أجل يوم عمل آخر كسابقيه...
لم أنم.. و لستُ نادمةً بحال علي هذا..
ليل كليالي الشتاء... فقط ينقصه البرق .. مطر لا كأمطار الشتاء في شدتها و صخبها... مطر خريفي.. هادئ .. واثق... يعلمُ إني أشتاقُ إليه.. و قد آتاني..

رشفةٌ أخري...

أنظر إلي الكوب في يدي.. و إلي سابقيه متراصين بجوار النافذة... طوال الليل لم يغب عن يدي كوب الشاي بالنعناع...وددتُ لو أن فيروزا في أذني في ليل بلا بشر يشوهون بهائه...لم يردني عن فيروز سوي كسلي الشديد أن أفارق النافذة لأضع سماعتي الأذن..  لا أريدُ أن أضيع قطرة واحدة من هذا المطر !

لا يهم... فصوت القادم من بعد غياب يملؤني... لا يترك فجوةً فيّ إلا و يملؤها.. و بنفس الثقة.. ثقة من يدرك أن لديه كل الوقت و السلطة ليفعل.. فليفعل إذن..

كم تمنيتُ لو أنزل إلي الشوارع الخالية من البشر كأنما هجرها الناس... ليتهم يفعلون.. أودُّ لو أتمشي قليلا في هذه الشوارع التي استردت نقائها ... ليل هادئ .. مطرٌ طال غيابه... شوارع خاوية بلا بشر يلوثونها... حتي و لو بمجرد تواجدهم فيها !

أدركُ الآن فقط أني لا أنتمي للناس... لا يسعني تحملهم..
لستُ حيوانا أليفا إذن.. أنا لازلتُ علي همجيتي.. بريّة.. و لا يستطيع هؤلاء البشر ترويضي...و لن يفعلوا... أحسبهم نسيوا كيف يكونُ الإنسانُ إنسانا!

رشفةٌ أخري...

ليلٌ متصل بصباح السبت... و ليس من أطفال مدارس يصخبون فيه...
فقط أطفال المدارس يعرفون كيف يصخبون صباحا و مساءا دون أن يشوهوا الكون من حولهم... أشعرُ بهم في كل الأحوال جزء من الاكتمال !

إذن راحلةٌ إلي عملي وحدي... دون أطفال أشاكسهم في طريقي ..
و دون فرصة للقاء جلال مرة أخري.. !

أنتهي من كوبي للأسف.. أفارق النافذة ..
أرتدي ملابسي و أخرج إلي الشارع الخالي من البشر !

برغم الضوء... لازلتُ شبه معتمة من الداخل... مساحة الضوء داخلي تتراقص علي استحياء... و أنا أقفُ في وجهها عابسة الوجه... مترددة.. أرغب بها.. و لا أريدها..!
أخطو علي رصيف المترو.. مبتل من آثار المطر.. يبدو مغسولا بغير اهتمام ... لكنه موحٍ ببقعه المتناثرة .. حتي رصيف المترو يبدو متوحدا مع الكون هذا اليوم.... لا يشوهه كثرة الراحلين.. أقفُ أمام السهم بانتظار القطار القادم..
أركب أول قطارٍ قادم.. أصلُ إلي عملي في زمنٍ قياسي.. فقط أصلُ إلي عملي لأتأمل البناية التي أعمل بها... أقفُ لا أحرك ساكنا.. و لا أتحرك كذلك..
أقررُ أن الوقت لازال مبكرا علي بداية العمل...
أتجول حول البناية قليلا.. أبصرُ بناياتٍ جميلة غير التي أبصرها كل يوم.. بنايات مغسولة علي مهل.. و ببطء.. أشجارا و قد اكتست أخضرا بهيا... غيرتْ أخضرها الباهت المعتاد... قد غسلها المطر أيضا... لمَ لمْ تُغسل روحي؟
قد شهدت المطر كله.. ربما شهدته لكني لم أكن مستعدة لأن تُغسل روحي بعد!
تبا لهذا ال أكتوبر بحزنه و كآبته !

أعودُ من حيثُ بدأتُ... البناية حيثُ أعمل.. أتأملها كأني أراها أول مرة.. تبدو مغسولةً هي ايضا... لكن هل غسل المطر من يعملون معي فيها؟
لمَ لا يغسل المطر كل الناس كما يفعل بالبيوت و الأشجار؟؟  

أقرر.. أنه لا عمل اليوم.. اغير اتجاهي و أعودُ إلي محطة المترو... ماذا لو رأني أحد زملائي أو مديري؟؟
فليذهبوا إلي حيثُ لا أدري.. و لا أريد أن أدري.. لن أعمل اليوم.. و ليفعل كلٌّ ما يحلو له !

أعودُ إلي محطة المترو.. أجلسُ قليلا... أقررُ اني لن أعودَ إلي البيت..
أفكرُ في "جلال" ... كيف كان وقتي معه... تراه ينتظر من يبتاع له افطاره
اليومي... تتملكني غيرة لا فكاك منها... هل هناك من يقضون صباحهم مع "جلالي" !
من يبصرون أنفسهم في عينيه الشفافتين؟ لا أريدُ هذا..

جلال يحبُ الألوان مثلي... يري فيها بهجة الحياة.. كان يخبئ في شنطته "الخيش" علبة واحدة من الألوان الخشب.. معتني بها باهتمام.. بحب !

أفرحُ لأني أراني في "جلال" .. حتي و لو لم أره ثانيةً !
أقررُ أن أتوحد مع الكون أنا أيضا... أسمح لمساحة الضوء بداخلي أن تتحرر من خجلها.. فلتملأني رقصا... !
أركب المترو القادم و أنا أعرف أين سأذهب لأزيدني فرحا... و لكني لن أخرج إلي هذا العالم.. سأفرح.. لكن معي .. !

أخرجُ من محطة المترو ثانيةً في هذا اليوم ... أتمشي قليلا في "وسط البلد" خطوات صغيرة و أصل إليها.. إلي تلك المكتبة الكبيرة في "وسط البلد"..
أدخل إليها بألفة شديدة ... أشعر أن أرض المكتبة و رفوفها و كل جوامدها تعرفني... تنتمي إليّ ... تشتاقني كما أشتاقها.. أقلامها.. ألوانها.. الأوراق !
أتجول فيها براحة.. و فرحة تغمرني.. قد امتلئتُ نورا..

أقفُ أمام الألوان طووووووويلا... أفكرُ في جلال.. و فيّ !
أفاضل بين الأنواع.. أيها ساشتري ؟
أتخيلها بين يدي.. و أتخيلها علي الأوراق.. لا أعلم.. أضحك بيني و بيني ..
لا زلتُ أتجول فيها .. مطمئنة إلي أنني ربما الوحيدة في هذا الوقت الباكر في المكتبة الآن... يفرحني هذا أيضا.. كأن المكان لي وحدي بكل أوراقه و أقلامه و ألوانه !

أشعرُ بأن ثمّة من يراني..لكني لا أري أحدا !
ربما كانت وساوسي المعتادة... بعد جهد انتزعتُ نفسي من أمام الألوان.. لازال عليّ أن أقضي بعض الوقت مع باقي الموجودات.. مع الأوراق.. الأقلام.. و فرش التلوين.. !

أخطو ببطء لذيذ ف الممر إلي حيثُ الأوراق.. اصطدمتْ عيناي به !
الآن عرفتُ أنها لم تكن وساوس و بالفعل كان ثمة شخص في نهاية الممر...
للحظة بدت في طول الدهر وقعتُ في عينيه.. عينان كعينيي جلال.. لا بل هما عينا جلال... أسمرٌ مثل جلال.. ربما كان جلال و قد كبر .. أبتسمُ و لا أدري سببا للابتسام... حتي لا أبالي إن اعتقدت أنني ابتسمُ له.. !
أنا فقط تذكرتُ جلال.. و رأيته في هذا الشاب مرةً أخري.. ففرحتُ ..!
أمرُّ بجواره لأصل إلي الأوراق.. يأتيني عطره ... رائعٌ عطره... عطرٌ يدل علي حضور قوي !
تبا لي ... أنا شيطانة صغيره.. أكمنُ في التفاصيل...
ما شأني بعطره أو بشرته السمراء.. أو عينيه العسليتين! ؟؟
دوما أكمنُ في تلك التفاصيل البسيطة.. هي ما اهتم به.. و لا أري سواها غالبا ..
لا أدري لكن للحظة وددتُ لو أنه جلال و قد كبر و أتاني ليمضي معي يومي هذا.. ليفرحني كما أفرحني صغيرا !
أحاول أن أركز اهتمامي علي الأوراق أمامي.. أتحسسها بيدي.. أختارُ من بينها.. قبل أن أفارق الأوراق و الألوان أراه مرةً أخري ... و لا أدري لمَ فعلتُ !؟؟
أفارقُ الممر لأذهب حيثُ الأقلام... أمشي كأني أرقص.. لا أعرف لكني خفيفةٌ كلما أتيتُ إلي هنا!

أقفُ أمام الأقلام كثيرا.. لا أتحرك.. هي الأقلام.. عندها تبدأ و تنتهي الأحلام !
أتأمل كل منها مليا... أشعر بها.. كلما رأيتها مرصوصةً هكذا وددتُ لو أخذها كلها دفعة واحدة.. !

أختارُ منها.. أحملُ كنزي الثمين إلي حيثُ الفتاة عند باب المكتبة.. لا أبالي كم سأدفع في المقابل... تلك الفرحة المضيئة بداخلي لا ثمن لها !
فقط قبل أن أغادر مكتبتي ... أنظرُ حولي علّني أراه ثانيةً... أخرج من المكتبة.. و في رأسي ذكري ال "جلالين" !
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

حلوان ..

أفقتُ باكرا جدا و علي غير المترو و صخبه.. ربما أفقتُ قبل شروق الشمس!
لازال الوقت مبكرا جدا.. أحاول النوم ثانيةً .. لكن أشمُّ رائحة ما غابت عني ..
أخرجُ إلي شرفتي الكريهه .. لأكتشف بأنها كانت تمطر... !
كانت تمطر بهدوء و طوال الليل... و أنا نائم.. أيّ أحمق كنتُ؟ !!
أغتاظُ مني.. ألعنني في سري !
رائحة المطر أو التراب بعد المطر.. رؤوس الأشجار حولي و أخضرها المغسول.. السماء كأنها قد قررت أنني أستحقُ مكافأة ما... قررتْ أن تكشف لي وحدي عن حسنها... فقط لو كنت شهدت أول مطر في هذا الخريف.. !
رائحة المطر و قد فاحت من كل الموجودات حولي... تملؤني أنا أيضا..
من الجيد أنني استيقظتُ قبل المترو..

أحسُّ بداخلي أن هذا المطر مكافأة لي ... هذا الجمال كله من أجلي.. من أجلي قراري... قد وجدتُ ما سوف يرجعني إليّ...
لأول مرة منذ زمن بعييييد أنام ملؤ جفوني.. أنام و أنا أعلم ما سأفعله بيومي  إن صحوت !
و أصحو لأجد كل هذا البهاء أمامي... فقط لو أن الجمال يكتمل بشرفة كما أشتهي !
لا يهم الآن... هذا صباح ما ينبغي له أن يضيع بين جدران البيت.. و مع شرفتي الملعونة هذه... صباحٌ كهذا يجب أن أمضيه معي في أي مكان مفتوح.. قد اشتقتُ إليّ !
استمرئ شعوري بالفرح... افرح للقائي أخيرا...
أتهيأ للخروج .. باكرا؟ .. لا يهم..
ألقي نظرة هازئة علي قضبان المترو و رصيفيه الخاويين... أبتسمُ و أفارقُ المنزل... أخيرا سأبدأ يومي أنا كيفما يحلو لي .. لن يبدأ المترو يومي !
اخرجُ إلي الشارع شبه المهجور ... أتمشي .. فقط تشعر قدمي بألفة شديدة و غياب طويل للمشي في الشوارع باكرا هكذا... أحسُّ بأنني قد رجعتُ إليّ.. امشي.. و أمشي بغير هدف.. فقط أتأمل آثار المطر الباقية في الشوارع.. علي واجهات البيوت.. علي الأشجار المغسولة.. في رائحة الجو..
تعود بي قدمي إلي حيثُ محطة المترو.. راحلوا المترو قد أتوا إليه.. لكن علي استحياء.. أدير وجهي.. ألمح عربة الفول.. أذهب إليها.. سأفطرُ معي..

أتذكرها .. كانت تأكل مع ذاك الطفل المصري جدا... كنتُ أشبه ما يكون بهذا الطفل في صغري... فقط لو كنتُ مكانه.. فقط لو هي معي اليوم.. أراها فقط.. سأرضي بهذا ..
أتمني لو أنها هنا.. تشاركني رجوعي إليّ .. !
أتعجب مني.. لقد أصبحتْ هذه الفتاة في كل تفاصيل يومي.. أفكرُ بها كثيرا.. !
أدخل إلي المترو.. فقط علّني أراها..
أجلسُ علي الرصيف... أنتظر.. أنتظر.. أفكرُ ربما أراها وقت عودتها.. أو في المحطة الأخري حيثُ رأيتها بالمرة السابقة...
أركبُ القطار القادم.. إلي حيثُ تلك المحطة.. خرجتُ إلي الرصيف و جلست أكرر الانتظار !
لا أدري بعد كم من الوقت قمتُ إلي القطار القادم.. ركبته و أنا أتعجب منيّ.. هل كنتُ متخيلا أنها ستصحبني إلي وجهتي هذا الصباح مثلا؟
هل كنت سأطلب منها أن تمضي يومي الأول بعد رجوعي معي مثلا؟؟
ركبتُ المترو إلي "وسط البلد" .. و تجولتُ قليلا فيها حتي وصلتُ إليها أخيرا... أدخلُ إليها.. اشتقتُ إليها كثيرا.. إلي كل سنتيمتر فيها.. كل قلم و ورقة و حتي فُرش التلوين احسُّ انها تعرفني .. قد أضعتُني هنا منذ زمن.. و ها أنا اعودُ ثانيةً لأستردني !
قررتُ أمس أنني سأعود إلي المرسم الصغير.. و إلي ألواني و .. و .. إليّ ..
و قد أتيتُ.. أقفُ كثيرا في مدخل المكتبة.. ربما كنتُ متهيبا تلك اللحظة.. تقتربُ منيّ إحدي الفتيات العاملات هنا.. تسألني إن كنتُ بحاجة المساعدة.. أبتسمُ نافيا ذلك.. عيناها جميلتان أنظرُ إليّ فيهما.. أبتسمُ ثانيةً ليّ أنا هذه المرة و أخطو إلي الداخل..
أقفُ أمام الألوان.. في أقصي الممر.. أثبتُ مكاني.. أتحدثُ إلي الألوان.. أعرفها أنا.. وهي تعرفني.. أتمني لو أن فتاة الأزرق معي أعرفها علي ألواني .. علي مكتبتي.. علي رفوفها.. أوراقها.. و كل ما فيها..
ألمحُ ظلا في نهاية الممر.. لا أبالي.. اخطو في الممر أختارُ ألواني.. لا مفر من الاقتراب من هذا الظل.. اقترب.. تصطدم عيناي بها... فتاة الأزرق !
أثبتُ مكاني كأني من رخام... رفعتْ إلي عينيها ..
لا أدري كم من الوقت بقيتُ ثابتا كالجبال .. لا أدري أي شئ إلا إنني وقعتُ في عينيها الواسعتين فعلا.. الواسعتين جدا..
عيناها فعلا أنستني أي تفاصيل اخري في الوجه.. للحظة ما تمنيتُ إلا أن أسألها أن تمضي معي بقية اليوم.. أن  تكلمني ..
أراني رائعا في عينيها.. أراني كما لم أراني من قبل...تبتسم.. ابتسامتها بديعة.. صافية جدا كسماء بعد المطر !
تخفضْ بصرها و تمر من أمامي.. إلي أقصي الممر حيثُ كنتُ ..تداعب الألوان بيديها... أراها و أنا ذاهلٌ عما حولي.. تحبُ الألوان مثلي... تري هل ترسم مثلي؟؟
تحمل ألوانها في اهتمام و تختفي من الممر..
أحمل ألواني أنا أيضا.. و ألحقُ بها .. لا أراها في الممر الآخر... أبحث عنها بين رفوف الأوراق... ممر الأقلام.. لا أجدها..
تبا لي.. قد كانتْ بين يدي... كيف اختفت كطيف من أمامي...
أحمل ألواني و أوراقي.. و أخرج من المكتبة.. أسرعُ في الطريق..
ربما أراها علي رصيف المترو هذه المرة.. ربما يجمعنا نفس الرصيف كما جمعتنا المكتبة...
ربما ..

الاثنين، 22 أكتوبر 2012

المرج... حلوان (3)


المرج..
أخيرا رصيف المترو في هذا اليوم العجيب !
أصلُ إلي رصيف المترو كأنما وصلتُ إلي منتهي آمالي أخيرا...
منذ متي و المترو يبهجني هكذا؟ !!
يوم غريب الأطوار فعلا.. !
و أنا أيضا عجيب.. غير منطقي..و لا أفهمني !
راحة تغمرني إذ أجلسُ علي رصيف المترو.. و لا أدري لها أي سبب حقا.. !
أما قلتُ أنني لا أفهمني هذا اليوم!!؟

لا أدري فيم رجوعي باكرا هكذا إلي البيت؟؟
هذا قطعا سيثير القلق في نفس أمي!..
تبا..
سواء أعدتُ باكرا أم متأخرا... فكلاهما مقلقٌ لها !
لكن لا طاقةَ بي لاحتمال الكلية أكثر من هذا بأي حال...
حقا لا أحتملُ مجرد التفكير فيها فكيف إذن سأتخرجُ فيها؟ !!!
لا أعرف حقا لماذا رؤيتي مغبشة.. و شبه معتمة في أمر الكلية بهذا الشكل...؟
رؤية ضبابية كما ينبغي لها أن تكون!

يااالله... أليس من منتهي لكل هذا العبث؟
أنا لا أكره كليتي و لا أهيمُ بها كذلك؟
لكني كنتُ منتظما في دراستي فيها... و بدأت اشعر بألفةٍ ما للمكان و الدراسة... لكني الآن لا أطيق حتي مجرد التفكير بها!
لمَ لا أحاول تحملها حتي أنتهي منها و كفي!؟؟

جالسٌ علي رصيف المترو .. أحاول الاسترخاء .. و البعد قدر المستطاع عن التفكير في الكلية..
أفكرُ فيما هو آتٍ من.. من... من الأيام.. منيّ !
لا أدري أيضا... و لا أعرف شيئا عن حياتي!
أحاول أن استجمعني.. أعودُ واحدا مكتملا يعرف ما يريد.. يعرف كيف يصل إلي ما يريد..
واحدا يعرف علي الأقل شئيا أو اثنين عن ذاته.. عما هو قادم من الأيام..
يعرف حتي و لو ملامح مبهمة لما سيكونه.. أو لما يريد أن يكونه!
لا واحدا لا يعرف شيئا علي الإطلاق هكذا!

أحسُّ بأنني أسبح في المهلبية تماما!

أغمضُ عينيي في محاولةٍ ما للانعزال عن العالم الصاخب من حولي...
يرتفع صوت "بلاك تيما" في أذني.. يرفعُ معه شيئا ما لا أعرفه في داخلي...

" مصوا دمه و داري همه ف بنطلونه الجينز الأزرق.."
               
أزرق!
فقط الآن استرخي كما لم أفعل من قبل في المترو...
فقط الآن أدركُ أنني علي رصيف المرج!

جالسٌ علي رصيف المترو باسترخاء..أول مرة استرخي في المترو الكريه..
ربما استشعر فتاتي الزرقاء إذ أجلسُ علي رصيفها.. رصيف المرج.
فتاتي الزرقاء..؟؟ قد صارت فتاتي إذن!
و قد اعتبرتُ أن رصيف المرج.. رصيفها.. خاصتها.. و أنا ضيفها عليه !
لا بد أنني حقا غريب الأطوار.. و غير مفهوم كذلك!
فليكن.. إذن فرصيف حلوان رصيفي... و هي ضيفتي الخاصة جدا.. عند رجوعها .
و لكن ماذا إذا كانتْ تعود بغير المترو.. و لا تقف علي رصيفي ؟!
و بهذا لا تكون ضيفتي فوق العادة علي رصيفي!
لا ... لا
لا يمكنني استيعاب تلك الفكرة..
هي حتما تعود بالمترو كما تذهب به كل صباح!
هي ضيفتي الخاصة جدا علي رصيف حلوان عند رجوعها
حقا قد أصبحتُ عجيبا.. وغير منطقي أيضا..
فلتعد كيفما أرادتْ.. ما شأني أنا؟؟
لا ... هي حتما تعود بالمترو..أثقُ بهذا و لا أعرف لماذا..
و لا أريدُ أن أعرف لماذا.. لا يهم.. هي تفعلُ هذا و كفي!

حقا لا أفهمني.. !
أجادُلني علي كيفية عودة فتاة الأزرق و أنا لا أعرفها أصلا..
تري هل سأراها اليوم؟
هل سأراها مجددا.. !؟
لماذا أنتعشُ هكذا بمجرد أن أفكر فيها؟؟
انتعاش الأزرق البهي.. فعلا حضورها واضحٌ جدا.. حتي و هي غير موجودة حاضرة!
أي فتاةٍ هذه؟
أي روحٍ سكنتْ هذا الجسد الصغير؟
أتمني بكل ما فيّ أن أراها كثيرا.. كل يومٍ ربما..
ربما وقتها سأذهب إلي كليتي.. فقط لأنعم برؤية العينين كل صباح!

أنا حقا غير مفهوم.. و هذا يغيظُني..
فتاة لا أذكرُ منها إلا أزرقها و عينيها.. فيمَ تفكيري و فرحتي هذه؟؟

يرحل القطار اللعين و أنا جالسٌ علي الرصيف مستغرق في ذكري الأزرق..
أتأمل الرصيف المقابل.. و القطار بجواره يلقي ما بجوفه من الراحلين دوما..
أتأمل الراحلين المهرولين دوما... أبتسم في سري عليهم.. مساكين!

رأيتها... أراها بوضوح.. رغم أنها لا ترتدي أزرقها!
فقط الآن أشكرُ خروجي إلي هذه المحطة رغم أنفي مع الخارجين من المترو!
أراها بكامل حضورها ع الرصيف المقابل...رصيفي.. رصيف حلوان..
أضبط نفسي أضحك بأعلي مما ينبغي... يظن من حولي بعقلي الظنون..
أضبط نفسي أصفق بكفي فرحا برؤيتها.. !
ليتها تبصرني.. أفرحُ كثيرا...
استمرئ شعورا بالفرح يتسلل إلي أنحائي.. الآن صار لجلوسي علي رصيف المترو معانٍ أخري...
أتأملها كثيرا.. لا يمكنني أن أصرف بصري عنها! ...
هي لا تراني.. تنظرُ أمامها.. دون أن تطرف عيناها الواسعتان!

ياااالله ... عينان فيهما كل الروح... عينان شفافتان.. قادرٌ أنا علي رؤية ما بداخلها !
فقط لو أراني في عينيها!
جلستْ علي الرصيف المقابل... تري و لا تري... هي ناظرةٌ أمامها.. لكنها تبصر شيئا ما في عالمٍ أخر!

في عينيها حزنٌ شفيف!
زادها صمتها حضورا... !
جلستْ و ليس في أذنيها سماعةٌ أو في يديها كتابٌ ما كما رأيتها أول مرة...
تبدو ذاهلة عما حولها..
كلما رأيتها شعرتُ أنها خارج الزمان و المكان الآن!
تنتمي لزمانٍ و مكانٍ آخرين... آتيةُ منهما !
أنظرها مليا.. عادية.. ليست تخطف الأبصار بجمالها.. و ليست دميمة..
لكنها مريحة!
لكنها حاضرةٌ جدا.. حقيقيةٌ هذه الفتاة!
جلستْ طويلا علي هذه الحالة.. بين قطار آتٍ و آخر راحل يعوقني عن رؤيتها.. لكنها لم تتحرك.. كأنها تمثال من رخام!
بين قطار و قطار همستْ الفتاة بجوارها بشئ ما.. جاوبتها بغير انفعال علي وجهها.. ثم لم تلبث أن قامتْ و جلست موليةً ظهرها إلي رصيف المترو و قطاراته!
ا..ل..ل..ع..ن..ة !
تبا !
ما الذي همستْ به إليها فغيرت جلستها هكذا؟
أودُّ لو أخنق تلك الفتاة السيئة !
لم حرمتني هذا الحضور؟

تبا.. لا أري سوي رأس فتاتي الزرقاء... تبدو ناظرةً إلي السماء.. أو إلي البيوت حول المحطة !
البيوت حول المحطة كبيتي... كئيبة.. مغبرة الألوان.. شرفاتها لا تدل علي الحياة أصلا!
هذا سيزيدها حزنا.. !
أعرفُ جيدا تأثير واجهات البيوت و الشرفات الميتة هذه جيدا...
روحها الشفافة ربما لا تتحمل هذه الشرفات الميتة أصلا!
تراها تفكر بساكني هذه البيوت الحائلة الألوان؟
تراها تفكر بي؟
هي لا تعرفني.. كيف لا تعرفني؟
أنا أسكن ببيت كهذه البيوت.. فكري بي من فضلك..
فكري بي أرجوكِ!
أنا أقضي عمري في شرفة مميتة كهذه الشرفات!

لم تزل علي جمود حركتها... رأسها الصغير معلق في البيوت و الشرفات !
لا تتحرك!
يااالله ما بها؟
ما الذي أذاها هكذا؟
لم كل هذا الحزن حولها و في عينيها؟

رحلت الفتاة السيئة مع القطار الراحل... فلتذهب إلي الجحيم!
هيا يا صغيرتي.. هيا عودي إلي رصيفي..
عودي إليّ..
تعالي أخبريني فيمَ حزنك..؟
هيا عودي إلي مكانك علي رصيفي .. !

عادتْ بالفعل إلي جلستها الأولي!
أنا رجلٌ خارق !
عادتْ إلي مكانها الأول.. في يديها روايةٍ ما.. غير التي كانت في المرة الأولي..
تبدأ في القراءة.. تقرأ بكل حواسها..
أكاد أقسمُ انها ليست علي الرصيف.. هي في صفحات الرواية !
ترفعُ عينيها عن الكتاب.. و تنظر أمامها بجمود.. تري و لا تري أيضا..
عيناها مليئتان بالدموع!
لا ... لا أريدك باكية يا صغيرة !
تكملُ قراءتها بعد حين.. لا زالتْ تبكي...!
تغلقُ الرواية تماما!
هل سترحل الآن؟
لا ... أرجوكِ لا ..
ليس الآن.. أرجوكِ.. ابقِ قليلا..
تقفُ علي الرصيف... تنظر إلي الملعون القادم ملتويا من بعيد!
سترحل!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حلوان...
و هكذا أراني بعيني الواسعتين أعبر الشارع..
فتاةٌ صغيرة تعبر الشارع الواسع وسط الزحمة.. يالها من شجاعة!
خطواتي الواسعة تقترب بي من المترو.. كأنما ألوذُ به..
أراني!
نعم.. أراني بكل وضوح.. أشعر بتجرد عجيب عن... عنيّ
كما لو كنت انفصلتُ عنيّ و أنا لم أعرف بعد!
أراني و أنا أمشي.. انظر دوما أمامي.. أنظر أمامي و إلي الناس حولي..
أنظر فقط...
أري .. و لا أري!

في رأسي دوما ما يفصلني عن الماشيين حولي.. عن السيارات..عن المترو
ما يفصلني عن كل شئ.. حتي عنيّ أنا نفسي!
في رأسي دوما تطّنُ فكرةٌ ما .. ربما أفكارٌ متداخلة.. و لا علاقة لها ببعض !
فقرةٌ من قصةٍ ما..
شخصيةٌ ما عرفتها في كتابٍ ما...
مشهدٌ من فيلمٍ ما رأيته و ما نسيته ..
أبياتُ شعر..
أغنيةٌ ما.. غالبا ما تكون لفيروز.. لولدها.. ربما بلاك تيما احيانا!
دوما هناك ما يملأ رأسي المثقل بالضلالات !
ربما اختلف بحسب حالتي المزاجية ... لكنه دوما موجود كنحلة نشيطة.. لا تمل من العمل .. و من الطنين !

فقط لو أعرفُ لما فارقتُ عملي مبكرا هكذا؟
لم فارقتُه مسرعةً كأنما أخرجُ من جهنم!؟؟
ما أسعدني في يومي شئ إلا لحظة خروجي من العمل.. حتي الصباح لم يسعدني اليوم!
فقط لحظة خروجي شعرتُ أني أتنفس..
نعم.. هذا شهيق..ش..ه..ي...ق
و هذا زفير...زفييييييييييييير !
ربما كنتُ لا أتنفسُ في العمل !
ربما كنتُ ميتةً اليوم !

لكن لمَ خرجتُ مبكرا؟؟
حقا لا أعرف !
ليس لدي أي عذر..
لم أخطط أن أزور صديقة ما..
ليس في نيتي كذلك شراء شيئا ما...
كذلك ليس في نيتي التجوال في وسط البلد دون أي أهداف واضحة لتواجدي هناك...رغم أنه يبدو حلا رائعا لهذا اللاشئ الواقعة فيه هذه الأيام.. !
حالةُ هلامية جدا... عقلي ملئ بالضباب... و ليس ثمةَ ملامح لأي شئ.. أو لأي شخص !
حتي تصرفاتي أنا.. لا يمكنني فهمها!
خرجتُ فقط.. و سأجلسُ علي رصيف المترو إلي أجلٍ غير مسمي!
ربما أقرأ ف روايتي الجديدة... لكني علي الأرجح لن أفعل أي شئ.. فقط سأجلسُ مستسلمة للاشئ!

تبااا لكل هذا الوقت المهدر..
أغتاظُ أكثر منيّ.. ازدادُ حنقا علي نفسي قبل العالم من حولي!
أنا من يفعلُ هذا بي.. و لا يسعني أن أتوقف الآن !
أنا في حالة من الحياة بدافع القصور الذاتي!

" القصور الذاتي" !!!!!
لا... لا ...
حالتي لا تسمح بالفيزياء الآن... لا تسمح بها إطلاقا!
أنا موشكة علي اكتئابٍ ما... و ليس بي حتي رغبة لتغيير هذا الوضع!
سأكتئب.. أعلم أني سأفعلها !
سأتشاجر مع كل من يحاول أن يخرجني عن عزلتي... أود لو أنعزل في بالونة شفافة عن العالم كله... وحدي في البالونة.. فقط خذوني منيّ قبل أن تغلقوا فوهة البالونة عليّ... نعم خذوني منيّ.. أنا لا أتحملني!
لا يمكنني البقاء معي طويلا... صدقوني..
جربتُ هذا من قبل... و فشلتُ فشلا مبهرا!

أخطو إلي رصيف المترو..
أنظرُ إلي القطار القادم في بداية منحني الرصيف.. ثم أجلس وحدي علي الرصيف حين يهرول الراحلون دوما في استقبال القادم !

أجلسُ و لا أفعل شيئا إطلاقا!
حتي روايتي الجديدة التي طالما خططتُ لقراءتها..و أظنها ممتعة.. لم أخرجها من حقيبتي حتي!
ليس في أذني شئ أسمعه كالمعتاد...
أنا فعلا فقدتُ رغبتي في الحياة... حتي التوحد مع ما كنتُ أسمعه ثم التلاشي من دنيا الواقع هذه... لا رغبة بي لأي شئ..
فقط أودُّ لو أبقي هكذا جامدةً بلا حركة أبدا!

أكرهني حد الجنون... حد النفي ... أريدُ أن أنفيني !
النفي يبدو حلا معقولا..
حلٌ لماذا ؟؟
لا أعرف!
لكنه يبدو حلا معقولا فعلا!
!
قطارٌ أخر يرحل كسابقه... و أنا علي جمودي هذا.. أفعلُ اللاشئ..
أنظرُ أمامي.. أري و لا أري..
حتي السماء.. لم أرفع عينيي مرة أراها !
قطار أخر يأتي و أنا لا أحركُ ساكنا..
عندها تسألني الجالسة بجواري.." هو انتي مش هتركبي المترو و لا إيه؟ "
ا..ل..ل..ع...ن...ة !
أتمني لو أصرخُ بوجهها" و انتي مالك؟؟"
لكن كل ما يخرج مني "لا" فقط.. و بابتسامة صفراء حقا أفارقها لأجلس في المقعد خلفها تماما.. و ظهري للرصيف و قطاراته.. و راحليه الفضوليين.

لقد أخرجتْ أسوأ ما فيّ هذه الفتاة !
علي كل حال.. انا لا أريدُ أن أراني في الراحلين دوما !
و لا أريدُ انا أراني مطلقا الآن !
أتأمل الأشجار.. فقط رؤوس الأشجار... و البنايات حول محطة المترو..
بنايات كئيبة المنظر.. كالحة الألوان..
مغبرة الشرفات و مغلقة..
لا تطل منها أي روح.. ليس بها نبات ما حتي و لو صبارا صحراويا!
شرفات كلها تغلفه ستائر كثيفة من الداخل..
ستائر تحجب نور الشمس.. و الصبح .. و الحياة كلها!
كيف يتحمل الناس هذا؟؟
كيف يمكن لإنسان أن يحيي في ضوء صناعي طوال يومه؟
كيف يبقون علي هذه الستائر المميتة و لا يسمحون لهذا المدي المفتوح حولهم بالدخول إليهم؟؟
و كيف لا يخرجون إليه؟
ربما لو خرجوا إلي شرفاتهم لا يبصرون إلا أسلاك المترو و قطاراته و قضبانه المملة.. و راحليه الصاخبين دوما..
لا ..
لا ... هذا ممل.. كئيب...
هذه شرفات ميتة..
لا يمكنني تحمل هذه الشرفات.. فكيف بساكني هذه البنايات.. أصحاب تلك الشرفات؟ !!!
ربما هم يدارونها بهذه الستائر الكثيفة كي يتناسون أنها هنا !
مساكين أصحاب هذه الشرفات!
لا أريدُ هذا المنظر.. أنظر خلفي..رحلت الفتاة الفضولية إذن..
أعودُ إلي جلستي الأولي... أخرجُ روايتي و أبدأ في القراءة... ربما أخرجُ مما أنا فيه..
بداياتها بديعةُ حقا... صفحة.. صفحة أخري..
تسحبني الصفحات إلي داخلها.. لا أعود أسمع أو أبصر شيئا مما حولي..
تغيمُ الرؤية في عيوني... ثم تستحيل فقط لأدرك أنني أبكي...
اللعنة فقد رأيتني إذن في صفحات الرواية البديعة... لماذا بدأت قراءة..؟؟
لماذا اشتريتها أصلا؟؟
أغلقها قليلا... لعلني أتوقف عن البكاء...
أبكي .. أبكي بصمت..
لا أري إلا أشباحا في مجال رؤيتي ينتظرون قطارا ما..
أكملُ القراءة.. و لا يمكنني التوقف عن البكاء..
لا ... لستُ وحدي حتي و إن كنت منعزلةُ هكذا..
يجب أن أرحل قبل أن يتحول بكائي إلي نشيج...
يجب أن أرحل قبل أن أجذب المزيد من الفضوليات !
أغلقُ الرواية.. و أقفُ أمام السهم.. بانتظار القطار في بداية المنحني..
أقفُ علي السهم تماما.. و أنا أبكي.. و لا أري !


الخميس، 18 أكتوبر 2012

المرج ... حلوان.. (2)


المرج..
"هو كل يوم هنلبس نفس الأزرق دا؟؟
هو مافيش غيره في الدولاب؟"
هكذا صبحتني أمي..
فابتسمت..
محلقةٌ أنا هذا الصباح... فكيف لا أرتدي الأزرق؟؟!!!
كيف أحلق بغير الأزرق؟؟
أنوي أن أفسر لها..
أغيرُ رأيي مشفقةً عليها.. هي تظن بعقلي الظنون أصلا..
فلا داعي لمزيد من الحسرة علي "خلفتها" !
"بس أنا باحبه جدا.. و بعدين اللي مش عاجبه الأزرق ما يبصش عليه.. سلام يا وزة"
نفارق بعضنا مبتسمتين..

أهبط درجات السلم.. إلي عملي كما المعتاد..
لكن فيمَ كل تلك الخفة؟؟
أهبط الدرجات كما لو أنني أخيرا هربت من قيود الجسد..
خفيفةُ روحي.. كما لو أنني تحررتُ أخيرا من الجاذبية الأرضية الكريهه...
خفيفةٌ كما لو كنت أرقص..
أطفو..
طفو.. !!
تلك هي..
تلك المفردة السحرية..
المجد لمفردات اللغة.. المجد للغة أصلا.. و فرعا كمان.

أخرج إلي الشارع أخيرا بعد سلمٍ طويل..
الشارع.. صباح رائع.. ملئ بأطفال المدارس بعيونهم المشعة نوما لذيذا .. بعيونهم الشقية و صخبهم في طرقاتهم إلي المدرسة...
لا أحب أطفال المدارس الذاهبين بالباصّ إلي مدارسهم..
نائمون .. كسالي.. عيونهم فاقدة اللمعان.. و مغلقين..
لا شئ يضاهي السابعة صباحا مع أطفال مدارس علي أقدامهم الصغيرة إلي مدارسهم.. بعيونهم الواسعة .. عيونهم سحرية تاخذني بعيدا إلي حيث لا أدري.. لكن إلي حيث أنتمي !

السابعة صباحا.. !
بدري جدا.. عملي يبدأ في التاسعة و النصف.. و الطريق لا يستغرق أكثر من نصف ساعة !
لا يهم.. علي كل حال كنت سأنام و أفوتُ العمل لو بقيتُ في المنزل..

أعشق صباحات الخريف هذه...
وحده الخريف يملؤني خفة... يُشعرني بالطفو..
صباح لا يعكر صفوه سوي أنه من صباحات أكتوبر..
أكتوبر!
لا ... لا... لا داعي للتفكير في أكتوبر الآن..لا داعي علي الإطلاق..

أتمني لو أن معي بالونات بهية الألوان.. فقط كي أُغري هؤلاء الأطفال باللعب معي..
أحسُّ في أعماقي بأنه لا داعي للعمل أو المدرسة في هذا اليوم..
ننفخ البلالين.. ونلعب.. و هاجيب فطار.. و نفطر سوا..
و الله مستعدة أشرب شاي بحليب معاهم.. بس هم يوافقوا.. !
أبتسم أوسع ابتسامة ابتسمتها في حياتي ربما..
ربما كانت أمي محقة.. و أنا فعلا محرضة علي الفساد..

بالقرب من الباصّ ما قبل المترو لمحته..
طفل "أخضر و بضفاير.. و بمريلة بني بأساور" كما غنتْ بلاك تيما تماما..
و فعلا بمريلة بني بأساور.. و شعر بني ناعم .. و عيون في لون العسل..
عيونه واسعة لدرجة إني خفت لأقع في العينين..و أسمر بشكل مصري صميم... و شنطة "خيش" يحمل بها كتبه.. و ربما أحلامه الملونة و طياراته و تفاصيله المنمنمة !
روحه كلها بتطل من عيونه الواسعين.. هو دا الطفل اللي أتمني أقضي بصحبته هذا الصباح الخريفي... 

نظرتُ إليه و تسمرتُ مكاني.. و ابتسم لما رآني..
اقتربتُ علي استحياء.. فسألته عن اسمه.. أخبرني "جلال" ..
سألني إذا ممكن أساعده و أبتاع له "سندوتش" من علي عربة الفول.. لأنه لا يصل إلي البائع.. و لا صوته يصله وسط هذا الضجيج.. و أعطاني جنيها مجعدا من جيبه.. و منحني أصفي ابتسامه رأيتها في حياتي..
وقفتُ علي العربة للمرة الثانية في حياتي غالبا.. و ابتعتُ له ما طلب.. و لي أيضا.. ابتسمتُ له و أنا أعطيه "السندوتش".. سألته إن كان لنا أن نفطر معا.. فأجاب " طبعا" .. ثم أضاف " بس أنا لازم أكون في المترو دلوقتي عشان المدرسة.. "
أخبرته أنني أيضا ذاهبة إلي المترو.. اشتريتُ التذاكر.. و دخلنا إلي رصيف المترو معا.. أكادُ أطيرُ من فرط سعادتي بهذا ال"جلال" ... برغم صمته!

أكلنا و تحدثنا.. و ضحكنا كثيرا.. كما لو أننا صديقان منذ عصور!
صخبنا جدا وسط الرصيف وسط استنكار الراحلون دوما... و رغبة البعض الطافحة من عيونهم في مشاركتنا بهجتنا.. ليتهم يفعلون..
"بتحب الكرتون يا جلال؟ " سألته متلهفة.. فأجابني ب أفخم "طبعا" سمعتها..

"طيب نتفرج ع كرتون سوا علي ما المترو يجي؟؟"
"مواافق جدا.. يارب يعطل أصلا"
و هكذا ترانا متجاورين علي الرصيف نحدق في شاشة الكمبيوتر الصغير..
معزولان عن هذا الكوكب البغيض أصلا...
"المترو جه.. هاقوم بقي.. أسف.." !
أتي القطار الملعون أخيرا.. ليأخذ مني هذا ال"جلال" .. تبا!
لم أستطع منعه برغم كل الشر بداخلي أني أكمل معه صباحنا البهي هذا.. و لتذهب المدرسة إلي حيث يحترق الخُطاة..
احتميتُ بالصمت كعادتي كلما كنتُ في موقفٍ مماثل.. بحثتُ في حقيبتي حتي وجدتها.. بالونتي الملونة.. أعطيته البالونة.. أتمني أن يشعر بأنها مفضلتي.. و أغلي ما أهدي به..
قبلّني .. ثم أخفاها في جوربه و غمز لي بعينيه العسلية و ركض إلي المترو..
ــــــــــــــــــ


حلوان..

أفقتُ كما المعتاد علي صخب المترو.. و نداءاته و راكبيه و ضجيجهم القادم من شرفتي اللعينة..
أنا لم أنم بعدُ كفايتي... اللعنة..
يالها من بداية غريبة لليوم... ليس بوسعي اختيار البدايات علي كل حال..
أفقتُ علي الصخب و قد كان ما قد كان...
أجلس بلا حركة في مكاني.. أفكرُ فيما سأفعله بهذا اليوم المُلقي أمامي كمريض... بإمكاني أن أبثَّ فيه الحياة من جديد.. و لو تركته لمات كغيره من الأيام..
أقلبُ احتمالات اليوم..
الكلية.. ؟؟
لا .. لا داعي لها.. شعرتُ بغربتي فيها .. أحسستها قفرا بعدما لم تعد مكاني.. و لم يعد بها أصحابي...
لا داعي للكلية اليوم.. علي الأقل اليوم.

البحث عن عملٍ ما يشغل أيامي المتشابهه؟؟
يبدو حلا أجمل من أن يكتمل..
أي عملٍ هذا؟؟ ألا يتطلب هذا بحثا مسبقا؟؟
ألا ينبغي علي معرفة ما لدي أولا من مقومات العمل؟؟

الذهاب في جولاتي الغامضة وحدي أو مع أحد أصدقائي..
يبدو حلا مثاليا .. هكذا يكون القتل الرحيم لليوم.. لكن أصحابي لن يفيقوا في السابعة حتي و لو كان داعي الحرب ينادي..!

الانتظار في البيت..
يبدو قاتلا أيضا..
إذن فلا مفر من الكلية.. سأذهب إليها كبداية .. و لنر ما يمكنني فعله من هناك.
الكلية إذن... رحلة المترو إلي هناك و لا سبيل إلي الهرب..
تبا... لقد صار المترو متغلغلا في حياتي بشكل مستفز فعلا...
أفكرُ فيما سأرتدي.. ألمح قميصي الأزرق..
فقط الآن تذكرتها.. فتاة المترو..
لا ... لا سأسميها فتاة الأزرق.. كانت آسرة في أزرقها هذا..
سأرتدي أزرقي أنا أيضا..
"يااارب أشوفها انهاردة" ضبطتُ نفسي أتمتم بهذا و أنا أخرج من المنزل!!
تعجبتُ منّي.. كل هذا بسبب الأزرق؟؟
ربما.. و ربما كان حضورها الموجود.. حضورها الحقيقي.. الحقيقي جدا لو شئنا الدقة..
لا أدري.. لكني تمنيتُ رؤيتها بشدة هذا الصباح.. تمنيتُ هذا بكل جوارحي !
أهبط درجات السلم.. ثم أصعد درجات سلم المترو البغيض وسط الراحلين.. الغافلين ربما.. عندئذٍ لمحته... أعرف ذلك الأزرق.. حتي و لو من بعيد.. أحسُّ بألفةِ ما تربطني به..
لمحتها من بعيد.. في نفس الأزرق.. يااااللروعة!
أكادُ أقفزُ فرحا علي درجات السلم.. لا ريب أنها أتية إلي المترو.. سأسبقها إذن إلي الداخل..
أدخل إلي رصيف حلوان.. و أقفُ .. أستشعر اختلافي عن الراحلين من حولي... كلهم ينتظر القطار... و أنا في انتظار الأزرق البهي.. في انتظارها..
أراها الآن بوضوحٍ تام.. تدخل إلي الرصيف المقابل.. بكامل حضورها المشع.. معها طفل صغير.. جميل و .. "منمنم"
ربما كان أخاها؟؟
أدققُ أكثر في ملامحهما.. لا يبدو أنهما حتي أقارب!
جالسان علي رصيف المحطة وسط صخب الجميع.. يأكلان علي مهل ما بأيديهما ... ياالبساطتها!!!
تبدو كأنما هي خارج الزمان و المكان.. لا تنتمي لنمطية هذا الواقع بأي شكل... حضورها ساحر.. لا يسعني أن أصرف نظري عنهما.. عنها تحديدا.. برغم براءة هذا الطفل... طفل مصري صميم و بمريلة بني بأساور..
حسبتُ أنها انقرضتْ ... طفولتي في زراير و اساور مريلة كهذه..
أدققُ النظر أكثر فيها.. أودُّ لو أراني في عينيها!
عجيبُ أنا هذا الصباح... لا مريبٌ انا !
يتحدثان بألفة شديدة.. أودُّ لو أشاركهما حديثهما هذا.. افطارهما البسيط جدا هذا..
لماذا لستُ طفلا أنا أيضا؟؟!
يصخبان غير مباليين بنظرات اللوم أو الحسرة ممن حولهم.. أكاد أجزم أن بعض الراحلين تطفر عيونهم حسرة علي مثل هذا الفرح.. علي مثل تلك الحالة.. انا نفسي أودُّ لو أقفز إلي الرصيف المقابل أشاركهم ما هم فيه.. أقتربُ من الأزرق.. من يدري وقتها.. ربما أراني في عينيها الواسعتين..
عيناان واسعتان لدرجة مدهشة.. عينان كنافذتين علي الروح..
ربما تطل منهما الروح.. بانتظار من يفهم و يشعر !
عينان تنسياك أي تفاصيل أخري في الوجه..!
أقدمتْ علي أعجب ما رأيتُ من فتاة... أخرجت حاسبها الشخصي الصغير.. و سماعات أذن.. لها و للطفل معها.. و جلسا يشاهدان ما يضحكهما كثيرا... لو يهدأ الصخب حولي ف المحطة الملعونة .. أودُّ لو أسمع ضحكاتهما... لو أعرف فقط ماذا يشاهدان؟
أتي المترو الملعون.. ليس بوسعي أن أنظر خلال المترو لهما..
و ليس بوسعي أن أفارق تلك الكتلة البشرية الملتحمة بي لتوها كأنما هي مني منذ خُلقتُ !
اللعنة..
لا يسعني إلا أن أتمني "يااارب ما تكونشي دي أخر مرة أشوفها" !

الأربعاء، 17 أكتوبر 2012

المرج ... حلوان.. (1)


المرج ....

أقفُ علي رصيف المترو.. ف انتظار القطار .. ذاهبةٌ إلي عملي ككل أيامي التي صارت تشبه بعضها.. حتي يوم العطلة.. يشبه غيره...
يااا للروتين..
يااا للملل..
تبا.. قد امتلئتُ غضبا قبل أن يبدأ اليوم... فكيف سأنهيه؟؟
سأذهب للعمل طبعا... يومٌ بمثل هذا الغضب ف بدايته.. يجب أن يمر في العمل... و إلا فأين سأخرج غضبي هذا؟؟!!

ربما ليس ذنب العالم أنني أسرع من قابلتُ في حياتي مللا..
ربما ليس ذنب الآخرين أني أضيق بالموجودات سريعا...

تأخر القطار..
لا مفر إذن من الجلوس علي رصيف المترو..
جلست علي المقعد أمام السهم ... عادتي العجيبة هذه..
ما هذه العادة الغريبة؟؟
كلنا يهرول صباحا في طريقه ليلحق بشئ ما.. _و مساءا ايضا نهرول_ فلماذا ألتزمُ السهم هكذا؟؟
السهم موجود من أجل النظام... لا لتسليتي !
تبا هذا محبط أيضا..
لم لا يكون للتسلية.. لم لا يرسمون أشكالا كرتونية أو أي شئ أحبه علي جدران المحطة و القطار ؟؟
لم لا يرغبون في تسليتي.. تبا لهم .. !

أتعجبُ مني.. لماذا أضيقُ بمن يخالفون الأسهم و الصعود و النزول في المترو؟
لا أضيق هكذا في مخالفة قواعد المرور؟؟
ليس النظام إذن.. إنما هي الاسهم..
أسهم؟!!!
فيمَ فرحي في كل مرة أتبع فيها الأسهم باتجاهها الصحيح؟؟
ربما أنا حمقاء فعلا...؟؟
غريبة الأطوار لا جدال !

لمّا يأتي القطار بعد..
لا مفر .. سأقرأ قليلا في روايتي المملة جدا و لا حل أخر أمامي..
أفتحها .. أبدأ.. صفحة.. الثانية..
و أنظر إلي السماء.. فعالة جدا .. جذابة حقا روايتي الملعونة هذه..
أبتسمُ للمفارقة..

لا يهم الرواية الآن علي كل حال... فلتذهب إلي ما هو أسوأ من الجحيم بأشخاصها أصلا ..

السماء أكثرُ من رائعة في هذا الصباح..
صباح خريفي..
أثمن من أي يضيع هباءا في يوم عمل..
في الصراخ..
حرام أن يضيع مثل هذا بين كل تلك الدفاتر..

هذا صبحٌ يريدُ من يرشف قهوته معه علي مهل...
صبح مفتوح.. لا من خلف ستائر في مكتبٍ كأنما أنت في حصن!  
صبح قادم من بعد غياب.. ألن نحتفل به؟

أحتاجُ ببساطة أن استمرئ شعوري بالبرد من بعد حرٍ طوووويل !
برد خفيف.. بيلسع..
برد حقيقي ... مش بتاع التكييف..!

محبط جدا.. أن أول صبح في الخريف بالروعة دي.. و أنا في طريقي للعمل... اللعنة !

تبا..
أتي القطار أخيرا..
أخطو إلي حيث السهم.. أٌدخل عربة القطار
فقط الآن أدرك أننا في أول أكتوبر... بدأت الاكتئابات إذن !
 ــــــــــــــ
حلوان...

"سبحان الله.. إنتَ فايق..؟؟ و صاحي من بدري كدا؟
إنتَ في وعيك يابني؟ "

هكذا صبحتني أمي.. أردُّ صباحها بأفضل منه.. لا يجوز أن أردّ بمثله.. أسألها الدعاء..
أخبرها أني أخيرا هافرحها و أذهب إلي كليتي البهية..
لا أخبرها أنني لم أنم من الأساس..
لا داعي لإثارة قلقها.. أو غضبها.. أو الاثنين معا..
أصلا لا داعي لكلمتين في العظم في بداية اليوم... يكفي برودي تجاه العالم هذا الصباح..
يكفي أن أفرحها و لو قليلا...

أخرج من المنزل مفارقا شرفتي الملعونة..
تبا لها .. ولحبي الشديد للشرفات..
برغم ولعي الشديد بالشرفات إلا أن شرفتي كريهه..
خيبتْ كل أمالي..
شرفة لا يُري منها إلا أسلاك المترو.. و قطاراته.. و قضبانه الباردة... و الراحلون دوما!

ألا يحق لي شرفة.. و ابنة جيران!!
ربما كان حلما سخيفا حقا؟؟ ... ربما كنت لا أزال مراهقا ؟؟
ربما أنا من هو السخيف؟؟
من يدري.. ربما .. لكني فعلا لا أزال متمسكا بحلمي هذا.. السخيف..
المراهق..
منتظرا إياه...
هو الحلم دا شئ إرادي؟؟
الحلم دا إلي حيث تهفو الروح!

إيه الكلام دا؟؟
" إلي حيث تهفو الروح؟؟.. دا انا كدا وصلت للفلسفة! "

أفارق المنزل.. إلي رحابة الشارع و صخبه..
أنتشي بالصباح ...
لسعة برد فوق الرائعة...

مش لو كان عندي زفت بلكونة عدلة كان زماني بابدأ الصبح كل يوم فيها.. بدل ما أنزل الشارع!!
 اللهم لا اعتراض.. خلينا ف الخريف اللي جه بعد غيااااب دا..
خريف أخر آتٍ و لمَّا تأتي ابنة الجيران بعد!
خريف أخر و ليس إلا قطارات المترو بضجيجها.. سواء أكنتُ راكبا فيها.. أم من شرفتي الكريهه...

أحيانا تأتيني أصواتها حتي و أنا بعيد عن الشرفة..

اللعنة..
المترو بقطاراته.. شرفتي اللعينة.. أصبحا يؤرقان حياتي المشتتة أصلا... !
أصبحا مزعجين بمجرد التفكير فيهما !

لا مفر.. أحجز تذكرة المترو.. أقفُ علي الرصيف بانتظار القطار...
أمارس هوايتي الحبيبة ف التأمل..
تأمل البشر من حولي... كلٌّ في غفلته.. أو يقظته.. لا يهم..
أحاول تخمين الحكايا...
أسرح في عيون الفتيات... أعشق رؤيتي في عيونهن.. خاصة الواسعة منها.. لم خلق الله عيون الفتيات بهذه الروعة؟

ياالله... من زمان ما رأيتُ إحداهن ترتدي أزرقا بهذا الصفاء... !
لا ريب أنها تعشقُ الأزرق... تري هل تحبُ البحر أيضا؟؟
لا بد أنها تحبه بجنون.. و الدليل جمالها في الأزرق الذي ترتديه...
ثمة خصوصية بتلك الفتاة... بجانب خصوصية الأزرق الذي عليها.. 
فتاةُ الأزرق... سأسميها !
تمسك كتابا سميكا بين يديها... تُري ما اسمه..؟
لم هي محدقة في السماء.. ؟
تبدو كأنها ليست علي الأرض..
أزرقها ينعشني بمجرد النظر إليه.. و إليها..
ليست باهرة الحسن.. لكنها باهرة الحضور..
تبا..
لعنة الله علي المترو.. جاء قطاري أخيرا...و منعني من نشوة الأزرق.. !