الثلاثاء، 26 فبراير 2013

رحيل.. !


في محل الإهداء \
 
يا قاتلي .. إني صفحتُ عنك

ــــــــــــــــــــــــــ

رحيل..  !

تقول الرواية*..
   " رحلَ الرجل.. الرجل الصلب.. وريثُ الأب" !


أقولُ أنا...
   " رحل ببساطة... بهدوء..
رحل دونما صخب"


تقول فيروز **...
   " كِل منْ طوي شراعه و راح ب ها المدي.. ولدين و ضاعوا ع جسر الصدا.. اتفارقنا بهَدَا.. و الدنيا هَدَا.."


أقولُ أنا...
   " رحل ببساطة..
رحل لأنه راحلٌ "أصلا "...
لمَّا يحن له بعد أن يضع ترحاله و تطوافه في البلاد.. و في العباد قبل البلاد !"


تقول الرواية...
   " رحل الرجلُ.. الرجلُ الصلب.. وريثُ الأب !"


أقولُ أنا...
   " الرجل الصلب.. وريثُ الأب..

وريثُ الأب..

وريثُ الأب...

وريثُ الأب؟!!

هو ذاك.. هو فعلا وريثُ الأب.. فقط لو يفهم هذا ..
فقط لو كان فهم هذا.."




(النساء النساء يفهمن ما أعني)






* رواية "وليمة لأعشاب البحر.. ل حيدر حيدر"

** أغنية لفيروز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأربعاء، 13 فبراير 2013

و قالت موللي..



أمسكُ يدها الدافئة بيَديّ الباردة دوما.. أنظرُ إليها باعتذار..
" أسفة إيدي باردة ع طول.. بس لحد ما نعدي الشارع" ..

تبتسم و تصمت ..
**
منتصف الطريق وسط السيارات تخبرني:
" عارفة؟؟ .. ممم الشتا دا فصل رومانسي جدا.. مش عارفة فعلا بس جايز أنا اللي خيالية اووي... " ثم تصمتْ !!
**
أفقتُ عليها تهزني بعنف من كتفي...
"إحنا وسط العربيات.. وقفتي ليه؟؟.. يللا"
**
أنا ما عدتُ أدري بأننا وسط إشارة المرور في زحامِ الثالثةِ عصرا.. أنا هناك في جملتها تلك.. و في الشتاء الذي تحدثتْ عنه !
أنا هـــــــــــــنـــــــــــــــاكـــ !
**
أعاودُ فأمسك يدها الدافئة ثانيةً لأعبر بها الطريق..
أسمعُ شخصا آخر يجادلها أنه ليس رومانسيا فحسب.. إنما الشتاء فصل خيالي بكل تفاصيله .. الشتاء كما الصبار.. يبدو مؤذيا مليئا بالشوك.. لكنه من الداخل مفعم بالرحيق.. لكنها لا تسمع هذا الآخر.. أو هذه الأخري التي تجادلها ...  

تعودُ فتقول :
" عارفة.. فعلا الشتا دا حاجة كدا هدية.. بس اللي يفهم تفاصيله..."
"لا... مش كدا .. بس اللي "يحس" تفاصيله"
أجيبها بغمغمة لا تفهم منها شئ.. و لا أدري أنا بم كنتُ أغمغم !

لكنها تستمر..
" عارفة.. حتي القهوة.. بتحلو في الشتا... "
أصغي أنا إلي حديثها المتقطع.. و أودُّ لو أصغي إليّ أيضا..
أودُّ لو أخبرها أن القهوة لا تحلو فقط في الشتاء بل تختلف في الشتاء.. تتجدد.. و ترتدي طعوما و روائح أخري..
قهوة في البرد تعطي مذاق الدفء.. مذاقٌ برائحة الأحبة ..
تعطيكِ الغياب الذي يكاد يكون حضورا ...
قهوة بمذاق الخيال..
**
تقول موللَّي :
" و لا المطر بئا.. ممم..حاجة كدا تغسل البشر.. و الروح.. "
أتمني لو أخبرُها أن المطرَ يغسل الروح.. فقط أرواح البشر الذين يعرفون أنهم بشر !!
أصغي إلي الأخري التي تجادلها..
" المطر.. لا أعترف إلا بالأمطار ف الشتاء.. الأمطار قرينةُ البرد..
لا الأمطار التي تهطل طوال العام.. باردا كان الجو أم حارا
هذه أمطار لا تبالي بوقعها في النفوس.. أمطار لا تعرف أنها أمطار"

متطرفة في إحساسها تلك المُجادِلة
**

أسمعني أنا لأول مرة منذ أمسكتُ بيدها الدافئة أول مرة..
" الشتا... الجنون في إنك تلاقي حد ينزل يسنكح معاكي.. في عز الساقعة و البرد و المطر.. و تتمشوا بلا أي أهداف واضحة.. بس تتنفسوا الهوا اللي قرر يكون أحلي و منعش..
تاكلوا بطاطا سخنة بكل هدوء..
تتفرجوا ع الناس اللي ماشية بتجري من كل مكان بس عاوزة سقف تستخبي تحته
و انتوا مش راضيين بأقل من السما سقف ليكوا..
الشتا ف انكوا تتفرجوا ع الدنيا حواليكوا كأنكوا براها ..

الشتا ببساطة ف "إنــــكــــــوا" .. "

لا أعرفُ إن كانت قد سمعتْ حديثي أم لا ..                    
لكني علي الأقل أصغيتُ
**
نصلُ إلي المحطة حيث تستقل حافلتها..
أطمئنُ إلي أنها بالحافلة.. أودعها ثم أُكملُ طريقي وحدي.. معي فقط حديثُ متفرق عن الشتاء !

السبت، 2 فبراير 2013

بدايات...


مولعةٌ بالبداياتِ هي...
تخشي النهاياتِ كذلك...
البداياتُ دوما ناعمة.. دافئة سواء أوغلتْ فيها برفقٍ أم بجنون..
البداياتُ تعدُ بالكثير... النهاياتُ لا تعدُ بشئٍ تقريبا !

****
" شهرُ الله المحرم..
أعظمُ الشهور الحُرم عند المولي عز وجل..
و إن للدمِ لحُرمة عند الله تفوق حُرمة البيت الحرام.."

ثم ما عدتُ أذكرُ ما قاله بعدها .. أو ما يقوله..
ما عدتُ أريدُ شيئا.. جُل ما أعرفه أنها من تلك اللحظات الملعونة التي يفرغُ فيها الكون من حولك و يقف صخبه الذي لا يقف أبدا !
تلك اللحظة حينما تشتهي أُنسا بشريا لا يتركك و نفسك وسط هذا الفراغ وحدكما.. لا تودُ نفسَك الآن.. تَودُ من يحول بينك و بينها !

للحظة شعرتُ باغترابٍ عاصف و عميق كأنما هو منذ الأزل..أشعرُ كأنما خُلقتُ لفوري..قد كنتُ أنتمي للظلامِ الكوني في رَحمِ أمي.. قد كان هو الكونُ علي اتساعه..ثم.. ثم .. ثم لم يعد!!

أحاول أن أعود فاستمع.. لعله يكمل هذا الحديث العجيب عن حرمةِ الدم !!
حرمة الدم؟؟
أم لعله يكمل فضل شهر الله المحرم..
المحرم؟؟ ما هذا الاسم؟؟
كأنما أسمعه لأول مرة في حياتي
كأنما الآن فقط أَدرَكَ معناه..!!!
أم لعلها المصالح... و حساباتهم الأخري التي لا يسعني فهمها !!

****
شهر الله المحرم..
بداية العام..
المحرم و حزنٌ شفيف يجتاحني..
حزنٌ يظل متواريا طوال العام.. لا يستعلن إلا في هذا الشهر..
حزنٌ لا يعصف بي.. إلّا في شهر الله المحرم..
لا يؤلم إلا الآن و يظل ساكنا طوال العام..
****

تبدأ ذكراه في الطفو علي سطحِ دفاترها في المحرمِ من كلِ عام..
يبدأ في العودةِ و الظهور علي اوراقها و في تفاصيلها في المحرم من كل عام..
لعل ما ينقصها فعلا أن تتشيع لتقيم عليه "حُسَينية" تندبه فيها.. تستقبل فيها العزاء أيضا..
لعل كل الدم بعد استشهاده صار مكررا لها و مملا..
أم لعلها صارتْ تتعامل مع الدم بجفاء.. كـ..كـــ...كالكبار !
علي كُلٍّ كلُ الدمِ بعد دمه يصير عاديا..
تبدأ في التكرار علي ذاتها "كلُ أرضٍ كربلاء.. كلُ يومٍ عاشوراء" ..
ربما تخشي أن تنسي لذا تذكر نفسها.. لكنها تعلم أنها لا تنساه.. تعلم هذا جيدا..
كيف تنساه و هي ما تنزل بأرض إلا و تخشي أن تكون "كربلاء" خاصتها ..

تذكره في كل أرض تصيبها بها النوازل..
"كربلاء" أرضُ كربٍ و بلاء !
هكذا قال يوم صار بكربلاء..

كيف يتحدَّثُ هذا عن المحرم..
عن الدم..
عن حرمةِ الدم ..؟؟
أولا يعلم أن "الحسين" قُتل ..
الآن فقط بعد أن صار يخشي أن يكون الواتر لا المَوتُور يتحدث عن الدم..
يترفق في الحديث ليدخل الرفق إلي النباتات ..و ربما الحيوانات كذلك!

ما هذا الارتباك ؟!!!!!

ماذا يعرفُ عن الدم ليتحدث عنه !

***
" هل عرفَ الموتُ فقد أبيه؟ " *
***

البداية الدافئة..
صار الهلال بدرا.. و لما تترك الدماء هوايتها الجديدة في أن تُراق كالمياه !

****
لا تشعر بشئ تقريبا في وسط الأشياء.. الأزمنة..
فقط تتذكر نعومة البداية..
ربما تفكر بهواجسها التي تخشي الاقتراب من النهايات !
***

"قال لي الشيخ :
إن الحسينَ مات من أجل جرعة ماء !
و تسائلتُ كيف السيوفُ استباحتْ ابن الأكرمين؟؟
فأجاب الذي بصرته السماء:
إنه الذهب المتلألأ في كل عين" **
***

عاد البدر كما كان هلالا ..
و لمَّا يقف الدم بعد..
مضي المحرم إلي ما لستُ أعلم..
و لمَّا تمضي ذكراه كما اعتادتْ أن تفعل...
مضي المحرم.. و صفر ..
و اجتمعت ذكراه التي أبَتْ أن تمضي بذكري ربيع الأول..
كأنما تكالبت علي الذكريات تسألني :
"بأي ذنب قُتلتْ؟؟"
***

"إن تكن كلمات الحُسين..
و جلال الحُسين..
و سيوف الحسين لم تقدر أن تنقذ الحق من ذهب الأمراء..
أفتقدرُ أن تنقذ الحق ثرثرةُ الشعراء؟؟ " **




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* "مراثي اليمامة للرائع "أمل دنقل" ...
** " من أوراق أبي نُواس .. لنفس الرائع "أمل دنقل "
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ