لا أعلمُ حقا لماذا يتراءي لي الأمس كحُلمٍ...
كطيفٍ من بعيد.. بعضُ الملامحِ أوضح من بعضها.. و بعضها الأخر.. صار جليا أكثر بعد
أن صار ماضٍ...
و أحلاها صار أكثرُ بهاءا بعد أن صار...
أجلسُ إلي رصيف المترو... لا زلتُ في الأمسِ
أنا.. لم أستيقظ لأبدأ اليوم بعد.. لو بوسعي.. لما استيقظتُ من كل أمسٍ كنتُ فيه
كالأمسِ ..
أفكرُ في الأمس.. لماذا لم أقفزْ في الشارعِ
فرحا..
لماذا لم أخرج عن النص كاملا.. لماذا تسمرتُ في
مكاني كمن تُشاهدُ فقط.. ؟؟
لم أكن أشاهد..أنا من كانتْ تصنع الحدث..
ما منعني أن أجري في الشارع.. كلما عبرنا
الطريق.. وددتُ لو أعبره جريا.. ما منعني؟ لا أدري..
لماذا لم أكن حمقاء كما ينبغي أن أكون.. ؟؟
تبا لي إذ ضيعتُ علي نفسي كل هذه الحماقات.. كيف
فوتها..؟؟
أنتظرُ المترو و أنا ألعن نفسي بكل القوة.. لأني
فوتُّ علي نفسي كل هذا..
تجادلني نفسي أنني استمتعت أيضا بالوقت.. كنتُ
كمن رُدَتْ إليها الروح بعد غيااااااااب... بعد موتٍ مؤقت..
من يدري .. ربما صارتْ الحياة هي المؤقتة لا
الموت !!
قطار رحل دون أن ألحق به.. لا يهم..
فجأة أجدني هنااااك.. نعبر الشارع سويا.. نخطو
إلي المكتبة.. كأننا عبرنا فجوة في جدار الزمان و المكان.. و حتي الجو.. كلُ شئ
بالداخل "غــــــــيــــــــــر" ...
كأننا عبرنا إلي العالم حيث ننتمي..
نواجه الكتب.. لا بل نواجه الأحلام.. الحواديت.. فرصُ الانتقال عبر الزمان و المكان إلي حواديت و شخوص أحلي و أقبح.. لكنها واضحة.. نقية.. لا تراوغ كما يراوغ الواقع..
نواجه الكتب.. لا بل نواجه الأحلام.. الحواديت.. فرصُ الانتقال عبر الزمان و المكان إلي حواديت و شخوص أحلي و أقبح.. لكنها واضحة.. نقية.. لا تراوغ كما يراوغ الواقع..
نتكلمُ عن هذا الكتابِ أو ذاك.. نتفقُ غالبا..
نختلف أيضا.. فأشعرُ بالحياة تتدفق في أوصالي.. بعد بردٍ طوووووووويل .. حتي ظننتُ
انني مِتُّ
قطارٌ أخر رحل...
أفرحُ أكثر.. استمرئ شعوري بالفرح هذا..
أودُّ لو نهبط معا إلي الأرضية الخشبية نقلبُ
الكتبَ قديمها و جديدها.. نقلبُ الكلام.. ماضيه و مستقبله أيضا.. أودُّ هذا بشدة..
ما علينا إن فعلنا.. لم نرَ ما في الرفوف السفلي علي كلٍ..
ما علينا إن جلسنا علي الأرضية العَبقة برائحة
الكتب.. متجاورين كطفلين بريئين من كل أثام الحياة و الواقع.. لا عليهما من كل
مشاكل و مسئوليات و واجبات الواقع ..
تبا لي لأنني لم أخبره بهذا.. لم أطلب منه أن
نفعل.. كان سيفعل..
لماذا لم نبقي هناك حيث ننتمي إلي الأبد.. ؟؟
لماذا؟؟
لا
أدري..
كم أنا حمقاء.. استحقُ اللعن لأنني أضعتُ كل هذا
الجمال..
تجادلني نفسي.. "خيرُ الجمالِ الجمالُ
المحتمل..
و النقصُ أدّلُ علي الكمالِ من الكمال..
و ربَ قولٍ عندما نقصَ اكتمل..
لذا تري أن في الهلالِ معانٍ لسنَ في بدرِ
الدُجي.." **
تبا.. قطارٌ أخر قد رحل..
أبقي حيث أنا.. هناك.. زمانا و مكانا.. هنا ليس
لي.. هناك ملكي..
أحاول أن أفيق.. و لو قليلا.. لكن بفشلٍ مبهر
كالمعتاد..
ربما أنا لا أنوي هذا في أعماقي..
هذا أفضل.. يلائمني جدا هذا..
عازمةً علي اللحاق بالقطار القادم.. أقفُ علي
رصيف المترو..
عازمةً علي أن أخبره أنني بالأمسِ حَلمتُ به..
كلُ أمسٍ أحلمُ به..
(*).. الاسم مأخوذ ل مجموعة قصصية للرائع بهاء
طاهر..
(**) من قصيدة هيبةِ العرشِ الخليِّ من الملوك..
لتميم البرغوثي...
